لا تكف دولة الاستعمار الإسرائيلية عن دورها الاستعماري، ومنطقها الإرهابي، ولا عن سياسات البلطجة والمافيا. وحتى تضرب جذور وأسس العملية السياسية، وتغير من طابع الصراع، وتعمل على تقزيم المطالب الفلسطينية السياسية والقانونية الوطنية من خلال طرح وإثارة قضايا هامشية، ترفعها عن سابق عمد وإصرار إلى مستوى القضايا الرئيسية للبحث مع القيادة الفلسطينية. وهذا الأسلوب لجأت له منذ اليوم الأول لوجودها الاستعماري على الأرض الفلسطينية، وفي كل العلاقات التفاوضية مع العرب والفلسطينيين. وتمكنت للأسف من تحقيق إنجازات بسياساتها المتدحرجة على أكثر من مستوى وصعيد. مع أن القيادة الفلسطينية تعي اللعبة الإسرائيلية القذرة، إلا أن غياب المرجعية السياسية، وتلاشي واضمحلال دور الرعاية الدولية لعملية السلام سمح لقادة إسرائيل العبث بمصير التسوية السياسية، وبدأوا بإهالة التراب على قبرها منذ فترة وقبل وصول الرئيس ترامب لسدة الحكم عام 2017، وتحديدا عندما لم تفرج عن الدفعة الرابعة من أسرى الحرية نهاية آذار/مارس 2014.

من ألاعيب إسرائيل الجديدة والقذرة، والمكشوفة إصدار ما يسمى محكمة منطقة القدس قرارا بتجميد أو احتجاز مبلغ 450 مليون شيقل (128 مليون دولار أميركي) الجمعة الماضي من أموال المقاصة الفلسطينية، التي تجبيها إسرائيل للسلطة، وتأخذ عليها عمولة وفق برتوكول باريس.

وجاء القرار بعد دعوى قضائية من عشرات الإسرائيليين الاستعماريين، الذين تحركهم وتديرهم من خلال منظمة صهيونية تسمى "شورات هدين" مقرها تل ابيب، التي تتابع هذه القضايا وبالتنسيق والتعاون مع القيادة السياسية وأجهزة الأمن والقضاء الإسرائيلي. وهو ما يشير إلى لعبة العبث الإسرائيلية، التي تمارسها مع الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية. وبغض النظر، إن طبق القرار أو لم يطبق، وإن خصمت كما تمارس عمليات القرصنة المتواصلة مرة بِذريعة دعم "الإرهاب" والمقصود رواتب عائلات الشهداء والأسرى، رواد ورموز النضال الوطني، ومرات بذرائع تحميل السلطة الوطنية مسؤولية العمليات، التي تنفذ ضد قطعانها من المستعمرين الصهاينة، ومرات بحجج وأكاذيب من كل ما يتخيله وما لا يتخيله العقل البشري.

فضلاً عن ذلك، تستغل حكومة تسيير الأعمال، والحكومة القادمة برئاسة نتنياهو أولاً تفشي فايروس الكورونا لتمرير عمليات التهويد والمصادرة والضم والأسرلة للأرض الفلسطينية العربية دون أي وازع. لهذا ووفق كل المؤشرات، وفي ظل المعطيات القائمة وموازين القوى الفاضحة والمختلة لصالحها، ومع انتفاء وجود ما يسمى بالحل السياسي، وعدم وجود أدنى احترام لما تم التوقيع عليه في أوسلو وواي ريفر وبرتوكول باريس (على كل ما فيها من مثالب ونواقص)، لأنها دفنتها جميعا، ولم يبقَ منها سوى ما يخدم مصالحها وتوسيع وتعميق المشروع الصهيوني التاريخي على حساب الأرض والشعب الفلسطيني، من خلال سعيها الدؤوب لتأبيد خيار الانقلاب والإنقسام الفلسطيني الفلسطيني، وخلق مزيد من الأزمات مع مضاعفتها في الشؤون التنظيمية والسياسية والاجتماعية والدينية والعشائرية ... إلخ لتحويل الشعب وقيادته إلى مجرد "خدم" و"اتباع" لسياساتها الاستعمارية الإرهابية.

أمام هذا التحدي الكبير، واللحظة السياسية العاصفة في الكون كله، وليس في فلسطين وحدها، فإن الضرورة تحتم رفع الكرت الأحمر في وجه نتنياهو وغانتس ومن لف لفهم من الصهاينة، وضع قيادة إسرائيل ومعها وخلفها الولايات المتحدة أمام خيارين لا ثالث لهما: أما الاعتراف بالحل السياسي المعترف به دوليًا، وباعتبار الصراع صراعًا سياسيًا بكل ما له وعليه من تبعات، والالتزام باستحقاقات التسوية السياسية، أو الشروع بتنفيذ قرارات المجالس الوطنية والمركزية للمنظمة، مع العمل الفوري شاءت حماس أم أبت بفرض خيار الوحدة، وكسر التابوتات والمنطق السائد في معالجة الأمور، لأن السياسة الانتظارية لا تفيد، لا بالعكس تساعد إسرائيل في مواصلة خيارها الاستعماري. اعتقد كفى انتظارًا، لم يعد على العين الفلسطينية قذى. كل شيء بائن، وواضح، وآن زمن الحسم والخروج من دوامة اللعبة الإسرائيلية الاستعمارية.