هناك اجماع من كل الأطراف التي تورطت وانخرطت في الحرب الأهلية اللبنانية بأن هذه الحرب كانت بشعة وكريهة، سفك خلالها دم الاخوة، وسالت فيها دماء الأبرياء. وهذه الحرب كانت لها ظروفها وتعقيداتها المحلية والإقليمية والدولية، أما عن عدد وحجم المتدخلين، فيكاد أحد لم يتدخل في هذه الحرب.  ولو عدنا بالتاريخ إلى الوراء للاحظنا أن معظم الأطراف التي تورطت لم تكن تتوقع أو تتخيل مآلات الأمور، وكيف تدحرجت لتستمر الى هذا العدد من السنوات وأن تحصد هذا العدد الهائل من الأرواح، الى جانب هذا الحجم من الدمار الذي ما زالت آثاره حتى اليوم. الثورة الفلسطينية، وبحكم وجودها على الساحة اللبنانية، كانت طرفا في هذه الحرب لسنوات عديدة، وانتهت مشاركتها الفعلية بها بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وما تبع ذلك من معارك فرضت على الثورة الفلسطينية كمعارك البقاع وطرابلس وحرب المخيمات.

ومن يقرأ بموضوعية يمكنه أن يدرك ذلك. ولا أعتقد هنا أن الثورة الفلسطينية كانت تريد بأي شكل الانخراط بهذه الحرب الدموية التي أشغلتها وحرفتها لسنوات عن هدفها الرئيس ألا وهو تحرير فلسطين. ولكن المؤامرة  كانت أكبر بكثير منها ومن كافة الأطراف المحلية اللبنانية، فتحول الجميع الى أدوات في طاحونة هذه الحرب.

ولو نظرنا اليوم لما يدور في المنطقة العربية من حروب مستوردة، وبما فيها من تعقيدات وتدخلات، لكان بالإمكان تخيل ما جرى في الحرب الأهلية اللبنانية التي لا يزال لبنان يعيش تداعياتها حتى اللحظة، حيث لم تنتهِ للطائفية ولا هذا العدد من المتدخلين في الساحة اللبنانية. نحن الفلسطينيين أجرينا تقييمًا للتجربة، وشخصنا بموضوعية أين كانت أخطاؤنا وأخطاء غيرنا، لذلك انتهج الرئيس محمود عباس سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى تحت أي مبرر. 

وفي لبنان عملت القيادة الفلسطينية بكل قوة لتحييد الوجود الفلسطيني هناك، وأقامت علاقات على نفس المسافة من كل الأطراف اللبنانية، ما سمح فعلاً، وباعتراف جميع الجهات على فتح صفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية اللبنانية، فنحن نكن للشعب اللبناني بِكل فئاته ومركباته كل محبة وتقدير وكل عرفان لمواقف هذا الشعب العظيم مع القضية الفلسطينية.

والجميع لاحظ بوضوح تحسن العلاقات الثنائية، فلبنان وشعبها عزيز علينا جدا.  لكل ما سبق، من حقنا أن نتفاجأ وأن نستهجن محاولات البعض من النفخ في الرماد الكريهة لهذه الحرب وإعادة موجة الكراهية للسطح ولخدمة من.

والمقصود هنا الرسم الكاريكاتيري في صحيفة الجمهورية اللبنانية الذي شبه الفلسطينيين بفيروس الكورونا.

نتمنى أن يكون هذا خطأ فرديًا لشخص جاهل، لأننا من ناحيتنا نحب ونقدر كل اللبنانيين دون تمييز، ومن هنا جاء الاستغراب  والاستهجان والاستنكار، وقبل أن نطالب الجريدة بالاعتذار لأنها ارتكبت خطأ يمس الإنسانية جمعاء، خطأ فيه رائحة عنصرية، فاننا نريد أن نطمئن من كان وراء هذا الكاريكاتير ممن ما زالوا يعيشون في الماضي الأسود، أننا لن ننجر أبدًا إلى مربع الكراهية، وأن نؤكد حبنا لكل الشعب اللبناني دون تمييز، فنحن أخطأنا مرة ولن نكررها ثانية، أهلنا في المخيمات الفلسطينية ضيوف على لبنان الشقيق ولن يكونوا طرفا في أي نزاع داخلي، فهم مع لبنان ومع الشعب اللبناني.. كل الشعب اللبناني.. دعونا معا لبنانيين وفلسطينيين نتصدى معا لوباء الكورونا لأنه لا يميز بين البشر.