سعى الرئيس دونالد ترامب للاستفادة من جائحة الكورونا لتعزيز موقعه الانتخابي للبقاء في سدة الحكم لولاية ثانية، وحرص على تجيير كل الأحداث لصالحه. لكن أزمة فايروس "كوفيد 19" تشير إلى أن حسابات بيدر الرئيس مغايرة لحسابات الواقع، وحتى الآن ووفق معطيات ملموسة يمكن الجزم باليقين القاطع، بأن التطورات ونتائجها تشي بأن الرياح تتعاكس مع سفن ترامب المبحرة مجددًا نحو كرسي الحكم، ومن بين الوقائع الماثلة أمامنا: أولاً التخلف عن مواجهة أزمة الكورونا، وعدم الاستعداد لها، مع إن CIA أبلغت الرئيس المتعجرف بأن فايروس كورونا بات يغزو البلاد. وهذا ما يؤكده المفكر الأميركي، جوزيف ناي في 6 إبريل الماضي (2020) عندما رد على سؤال لمجلة "Foreign Policy" بالقول، أن بلاده عجزت "في مواجهة (كورونا) على المستويات الداخلية والخارجية." ويرى أن "إدارة ترامب وضعت عام 2017 إستراتيجية لمواجهة القوى التنافسية على المستوى الدولي، إلا أن جائحة كورونا أثبتت عدم فاعلية هذه المقاربة الأميركية في مواجهة التحديات القادمة من الصين." وفي رده على سؤال ما بعد الكورونا، وما سيكون عليه العالم، يقول إن "هذه الاستراتيجية غير كافية. حتى لو سادت الولايات المتحدة كقوة عظمى، فإنها لا تستطيع حماية أمنها من خلال التصرف بمفردها." وهذا ما أكده وزير الخارجية البريطاني الأسبق هيغ، الذي أكد أن هزيمة كورونا يتم بالتعاون مع الدول كلها. والأفضل لأميركا التي تحتل المركز الأول عالميا في عدد المصابين، الذي تجاوز ال600 الف أميركي وما يزيد على ال26 الف وفاة حتى كتابة هذه الأسطر، ان تنحو نحو التعاون مع دول العالم دون التلكؤ والتذرع بحجج واهية.

ولهذا اتهمت وسائل إعلام أميركية الرئيس ترامب وإدارته، بالتسبب في التفشي السريع لفايروس كورونا في الولايات المتحدة، وتتصدر البلاد قائمة الوفيات العالمية. وقالت شبكة CNN الأميركية: أن ترامب فشل في إدارة (كورونا)، وأن أميركا لا تزال تفتقر حتى إلى خطة أساسية للسيطرة على الوباء، وإعادة تنشيط الاقتصاد." وحسب إحصاءات رسمية أميركية، يلقى 62 شخصًا حتفهم في الولايات المتحدة من أصل كل مليون، فيما قدرت جامعة هوبكنز عدد الوفيات في كل من هونغ كونغ، واليابان، وتايوان بوفاة واحدة لكل مليون شخص، وفي الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة ب5 وفيات لكل مليون." وهذه المعادلة لن تبقى ثابتة، لأنها مع مضاعفة عدد الوفيات في الولايات المتحدة ستزداد فيها نسبتهم عن البلدان الأخرى.

ثانيًا فشل وهزيمة الرئيس ترامب أمام حكام الولايات الأميركية برفضهم الالتزام بِقراراته المتعلقة بعودة النشاط الاقتصادي، وفتح الأسواق. وبدأ شد الحبل بين ساكن البيت الأبيض والحكام منذ 24/3/2020 عندما قال الرئيس الاميركي لفضائية "فوكس نيوز": إن بقاء الإغلاق قد يدمر البلاد. ونوه إلى سعيه لتخفيف إجراءات الإغلاق بحلول منتصف إبريل الحالي (أمس). وحاول المقاربة بطريقة سطحية وساذجة، حينما قال " نحن نفقد آلافًا وآلافًا من الناس كل سنة بسبب الإنفلونزا، ولا نغلق البلد". وأضاف " نفقد عددًا أكبر من ذلك في حوادث الطرق. ولم نقل لشركات صناعة السيارات: توقفوا عن صنع السيارات."وفي محاولة منه لتخويف الأميركيين، قال " يمكن أن نخسر عددًا معينًا من الأشخاص بسبب الإنفلونزا. ولكن قد نخسرعددًا كبيرًا إذا أغرقنا البلاد في انكماش كبير". لافتًا إلى "إمكان حصول آلاف عمليات الانتحار." وتابع عملية التخويف، حينما اعتبر أن "انكماشًا كبيرًا" يمكن أن يفوق في عدد ضحاياه فايروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة."

لكن تخويف ترامب لم يأتِ أوكله، فرد عليه حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو في ذات اليوم: أنه لن يلتزم بأي أمر يصدره الرئيس دونالد ترامب بإنهاء إجراءات العزل العام في الولاية." وعاد وكررها في 14/4/2020. كما أن عمدة الولاية ذاتها، دي بلاسيو، وصف المدينة بمركز تفشي كورونا في الولايات المتحدة، ولافتًا الأنظار إلى ان الأمر لايقتصر على نيويورك، إنما يشمل التدهور للأوضاع كلا من لويزيانا وفلوريدا وجورجيا.

ومما زاد الطين بلة، أن الرئيس المسكون ب"الأنا" عاد يوم الإثنين الماضي الموافق 13/4/2020 للتأكيد على صلاحياته ودوره في قيادة أميركا، عندما أكد أن "لديه "الصلاحيات كاملة" على الولايات فيما يتعلق بإجراءات مواجهة فايروس الكورونا." وهو ما رفضه كومو، الذي أعتبر موقف الرئيس ترامب لا يدعمه الدستور، ورفضه على الفور خبراء قانونيون، وبعض حكام الولايات. ولوح بالتوجه للقضاء للبت به. وأضاف كومو في إشارة لسعي ترامب استغلال الجائحة لإعادة انتخابه في نوفمبر القادم، "وأسوأ ما يمكن أن يفعله في هذه اللحظة.. أن يتصرف بطريقة ديكتاتورية ومثيرة للانقسام."

وحسب صحيفة "البيان" الإماراتية، كان أستاذ القانون في جامعة تكساس، ستيفن فلاديك رد على تصريحات ترامب يوم الثلاثاء الماضي 14/4/2020 بالقول " ليس للرئيس سلطة قانونية تتيح له تجاوز قرارات العزل، التي تتخذها الولايات، أو إعادة فتح المدارس والشركات الصغيرة.. لا توجد أي مادة دستورية تمنحه مثل هذه السلطة. ومنذ عدة أيام يتشاور الحكام من شرق الولايات المتحدة إلى غربها معا لاتخاذ قرارات منسقة استجابة لتطور الجائحة، من نيويورك إلى نيوجرسي وكونتيكت ورود وآيلاند وماساتشوستس وديلاوير وبنسلفانيا، إلى كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن. والنتيجة المؤكدة ان عملية شد الحبل بين الرئيس والحكام لن تكون في مصلحته.

ثالثًا الأزمة الاقتصادية الحادة، المتمثلة بزيادة أعداد البطالة بشكل حاد حتى وصل لما يزيد عن ال17 مليون عاطل عن العمل؛ رابعًا زيادة المديونية الداخلية والخارجية الأميركية، التي كانت تتجاوز ال22 تريليون دولار قبل الأزمة، والآن ستصل لنحو الثلاثين تريليون دولار أميركي. ومع إن الرقم المعلن للمديونية الجديدة، التي اقرها الكونغرس في ظل الأزمة، هو 2,2 تريليون دولار أميركي، غير أن بعض المصادر تتحدث عن حوالي 8,1 تريليون، التي قامت الإدارة والعائلات الصهيونية روتشيلد وروكفلر ومورغان المتحكمة بصندوق النقد والبنك الدوليينبصبها في السوق دون رصيد في الإنتاج. مما سيعمق الأزمة الاقتصادية الأميركية؛ خامسًا المعارك الاعتباطية مع المنظمات الأممية، وكان آخرها منظمة الصحة العالمية، التي علق الدعم لها بذرائع واهية. وهي ليست المنظمة الأممية الأولى، بل الأخيرة. بالإضافة لاحتدام الأزمة مع الدول الأخرى وخاصة الصين وروسيا وإيران؛ وسادسًا تراجع وانكماش دور الديمقراطية، التي من الواضح إنها ستكون الضحية القادمة، وهو ما أشار له كومو، حاكم ولاية نيويورك في رده على عودة النشاط الإقتصادي؛ سابعًا الأزمة تطال كل اوجه الحياة في أميركا في الزراعة والصناعة والهايتك والثقافة والفن والسياسة والقانون والقضاء .. إلخ وعليه فإن النتيجة العلمية تشيرإلى هزيمة ترامب امام جائحة الكورونا. لكن معادلات السياسة تختلف حساباتها في حال فتح ترامب نيران الحرب العالمية الثالثة كقائد أعلى للقوات والجيوش الأميركية عشية الانتخابات الرئاسية القادمة.