عندما أطل فيروس كورونا الجديد على العالم جاء حاملاً القلق والإزعاج، والخوف والهلع، لِجميع الدول بلا استثناء. الفيروس واحد، ولكن تعامُل الدول معه كان مختلفًا ومتباينًا؛ وهو ما يكشف الكثير مما خفي علينا.

قد تكون شهادتي مجروحة في تعامُل السلطة الوطنية الفلسطينية بِقيادة السيد الرئيس" محمود عباس " أبو مازن"  ودولة رئيس مجلس الوزراء د. محمد شتيه " أبو ابراهيم" مع هذه الأزمة العالمية، ولكن عندما نعلم أن منظمة الصحة العالمية، ودول كثيرة أشادت بهذا التعامل ندرك أننا أمام تجربة ترفع لها القبعات، وتستحق كل تقدير واحترام، وندرك أيضًا أننا بخير وسلام؛ وهو ما ينبئ بأن فلسطين ستتجاوز هذه الأزمة بأقل الخسائر إن شاء الله.

لستُ هنا لتقييم تعامُل فلسطين مع الفيروس اللعين ، والإشادة بما اتخذته من إجراءات احترازية، أقل ما توصف به أنها "صارمة وقوية"، ولكن للمقارنة بين مشهدين: الأول في فلسطين، والآخر في ما يسمى ( إسرائيل ).

فلسطين تعاملت مع الفيروس باحترافية عالية؛ فنجد أنها بدأت اتخاذ سلسلة من الإجراءات منذ بداية ظهور المرض على أراضيها وتحديدًا في محافظة بيت لحم الشماء، فاتخذت قرارًا بعزل المحافظة بالكامل عن باقي الوطن، وهذا القرار لم يشتمل على العزل فحسب، وإنما اشتمل على خطط علاجية ووقائية لمن تثبت إصابتهم، أو لمن كان يخالطهم.

وفي نفس الوقت اتخذت قرارًا صائبًا آخر رغم انه كان صعب باغلاق المساجد والكنائس، بِمثل هذا الإجراء على صعوبته على فلسطين " أولاً" ، وعلى كل مسلم ومسيحي " ثانيًا"، كان لا بد منه، وأثبت الأيام جدواه في منع إنتشار الفايروس على نطاق واسع.  

إجراء آخر كان صعبًا بعض الشيء على الطلاب وأولياء أمورهم، عندما علَّقت  فلسطين الدراسة في جميع المدارس والجامعات، بما يبعث الاطمئنان في النفوس.   

 في المقابل، كان المشهد في دولة الكيان الصهيوني مغايرًا تمامًا؛ فالمرض استفحل في أراضيها، وانتشر، وأصبح مصدر تهديد لهم، وخاصة في أحياء اليهود المتدينين " الحريديم" مع ارتفاع أعداد المصابين في أوساطهم لتصل إلى 50 في المئة من نسبة المصابين حسب التقارير ورفضهم اتباع التعليمات وإغلاق معابدهم ومدارسهم الدينة، وبدلاً من أن يعمل هذا الكيان على مواجهته، يريد تصديره إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية برعونة ولا مبالاة من خلال العمال الفلسطينيين، وكأنه فَرِحٌ وسعيدٌ؛ لأنه أضرَّ بها.

وقد شاهدنا هذا عندما قامت دورية احتلالية إلقاء عامل فلسطيني على قارعة الطريق قرب حاجز بيت سيرا العسكري في ظروف صحية صعبة معتقدة أنه مصاب بمرض كورونا مخالفة بذلك لكافة القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، بدلاً من فحصه وتطبيبه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عنصرية وفاشية هذا الاحتلال الصهيوني. وبعد هذه الحادثة كثفت السلطة من إجراءتها الصحية، ونصبت خيامًا عند منافذ المعابر  لاستقبال العمال، وإجراء فحوص لهم، في محاولة لمحاصرة تفشي فيروس كورونا من خلال العمال العائدين الى مدنهم وقراهم. وقامت بِتشكيل لجان للطوارئ في البلدات والقرى، من أجل حصر العمال الذين يتواجدون حالياً داخل الكيان الصهيوني، وظيفتها تبليغ الجهات المختصة لفحص العمال، والزامهم بالحجر الصحي،  وعدم مخالفة الإجراءات،  لأن ذلك لا يمثل خطرًا فقط على صحته الشخصية، بل يمثل خطرًا كارثيًا على أهم وأعز أشخاص في محيطه المقرب كأفراد عائلته، وهو أمر مازال لم يفهمه العديد من المواطنين أو العمال بسبب قلة الوعي للأسف الشديد، فسلامتك من سلامة عائلتك.  

كما  اتخذت الحكومة الفلسطينية قرارًا حكيمًا آخر بفرض حظر التجول لمدة 14 يومًا في كافة المحافظات، وذلك في إطار الجهود لِمواجهة فيروس كورونا وعدم انتشاره.

ختامًا: بوعينا الجماعي وتكاتفنا وتعاضدنا واتباع التعليمات نسطيع رغم قلة الإمكانيات، أن نحمي شعبنا، ووطننا ونقلل من انتشار هذا الوباء اللعين وخاصة أن التجارب في كثير من البلدان الأوروبية المتقدمة ومعها أمريكا أثبت أن المشكلة الكبرى ليست في قدرة النظام الصحي وحده، بقدر ما هي انضباط وتطبيق الإجراءات الوقائية الجماعية وخاصة المرتبطة بمنع انتشار فايروس كورونا عن طريق العدوى، فذلك مسؤولية مكافحة العدوى لا تقع فقط على جانب السلطة الوطنية الفلسطينية، بل تشمل جميع المواطنين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم من خلال الامتثال إلى الإجراءات المعمول بها من قبل وزارة الصحة العالمية .

فعندما يدرك كل فرد من مجتمعنا أن مسؤولية مكافحة انتشار الوباء تنطلق من مسؤولية فردية، وأنه جزء من مجموعة عليه أن يحافظ على سلامتها إن لم يكن ذلك مدفوعًا بِأسباب عاطفية إنسانية، فإنه مفروض بواقع إنه إذا أُصيب من حولك، فإنك ستصاب حتمًا، لتكون بعدها مسؤولية جماعية في معاضدة مجهودات الحكومة ، عندها فقط نكون قد خطونا الخطوة الصحيحة في وضع حد لانتشار هذا الوباء الفتاك وعبرنا إلى شاطىئ الأمان بإذن الله.

ملاحظة: قام الاحتلال الصهيوني بِفتح عبارات المياه العادمة في منطقة قلقيلية لأول مرة وبدون أي شكل من أشكال الحراسة والمراقبة في إجراء إجرامي حتى يتسنى للعمال التنقل من الداخل المحتل إلى مناطق السلطة دونما حسيب أو رقيب.