تساءلت ورائحة قهوة الصّباح الذّكيّة تسري الى أنفي عن الحدث الهائل الّذي هزّ أغصان شجرة الحياة وأوراقها في العقدين الأخيرين. وقد يتبادر الى ذهن أحدكم أنّ هذا الحدق هو ما ارتكبه الاحتلال الغاشم من القتل والاعتقال والسّجن والحواجز واقتحام البيوت ليلًا ومصادرة الأراضي وقلع شجيرات الكرمة وتكسير أشجار الزّيتون وهدم المنازل، وقد يعتقد ثانٍ أنّه انهراق وهرولة العربان من بني نفط وبني غاز على بني يوشع وتركهم أخاهم الجميل يوسف في الجبّ وحيدًا، وربّما يظنّ ثالث أنّه سقوط ورقة التوت أو ورقة التّين عن عورة أميركا منذ فتح ترامب البيت الأبيض ودخله مثل الدّيك الرّوميّ وكأنّ الوالي الأعشى بحاجة الى رياح الخريف، وقد يقول رابع واقعيّ سرقت لعلعة الرّصاص في حارته النّوم من عينيه بأنّه العنف الّذي انتقل من خانة الدّاء الى مرحلة الوباء.
وعلى الرّغم من احترامي لأفكاركم السّليمة ومعاناتكم الصّادقة الّا أنّني أعتقد أنّ هذا الجهاز الصّغير بحجم راحة اليدّ، الهاتف النّقال أو الجّوال أو الخيلويّ، سمّوه كما تشاؤون، هذا الملاك والشّيطان، هو الّذي غيّر حياتنا وعالمنا وما زال يغيّرها ويبدّلها يوميًا ولا ندري ولا نقدر أن نعرف الى أين يقودنا.
الهاتف النّقال هذا العقل الّذي تفوّق على العقل البشريّ الّذي اخترعه هو دليلنا في الدّاخل والخارج، وهو مرجعنا العلميّ والدينيّ والثّقافيّ والفنيّ، وسوف يكون العقل الذّكيّ والعالم الخبير الّذي يسّد دور المعلم ويُغني عن المدرسة والجامعة وعندئذٍ سوف تختفي مهن عديدة كما اختفت من قبل مهنة المبيّض والسّمكريّ والاسكافيّ وغيرها، ستختفي مهنة السّائق لأنّ العقل الذّكي سيجعل السيّارة تسير في الشّارع بلا سائق وبدون حوادث طرق، وسوف يرتاح ساعي البريد في خبر كان وتُغلق مكاتب البريد وتزول مثلما اختفت مكاتب البرقيّات وجهاز الفاكس، ولن تحتاج البنوك الى موظفّين لخدمة عملائها لأنّهم لن يقفوا بالدّور أمام خوخات المصارف ما دام المرء يدير أعماله وأمواله من هاتفه النّقال وهو يشرب قهوة الصّباح مع زوجته أو صديقته.
تنبّأ عالمٌ عربيٌ لامعٌ بزوال مهنة الصّيدلانيّ لأنّ العقل الذّكيّ سوف يكتشف كلّ ما يمكن أن يتعرض له جسد الانسان، أيّ انسان، منذ الطّفولة.
كنّا في السّنوات الخالية نُصاب بالذّهول ونحن نقرأ الرّوايات العلميّة الخياليّة عن غزو الفضاء وعن الاختراعات والاكتشافات فصار هذا الخيال العلميّ واقعًا والأصّح واقعًا قديمًا.
لا يستطيع خيالي أن يتصّور الى أين سيصل عالمنا بعد عقدين من السّنين والى أين سيحملنا العقل الصّينيّ.
استقلّت الصّين بعد مصر وسوريا والعراق ولبنان فأين الصّين وأين بلداننا؟
أين بكّين في هذه الأيّام وأين القاهرة وبغداد ودمشق؟
إذا أردتم جوابًا صحيحًا سليمًا دقيقًا فاسألوا هاتفكم الجوّال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها