يقف لبنان اليوم على حافة الإنهيار إن لم نقل في دائرته، ويعجز عن تثبيت دعائم مفقودة.. أمر بات واضحا لكل من يريد الوضوح ويلونه بالرمادي، من يريد التذاكي ولكن.. عبثا، فإن التراكمات حطت بثقلها لتلفظ ما حبسته لعشرات السنين، وتنفجر غضبا بوجه الطبقة السياسية المتوارثة والمنقسمة والعاجزة عن ايجاد حلول.
سياسة الأمر الواقع التي كانت تجمع الأطراف اللبنانية في أغلب الأحيان، قطع أوصالها الشارع الذي فرض نفسه كقوة كان يمكن تجاهلها لو ان البلاد والعباد بخير ولكن السياسيين - سرا أو علنا- يعترفون بالواقع المرير، فلا تخلو خطاباتهم من الوعود بخطط اعادة لبنان على السكة الصحيحة، ودون جدوى بعد ان تقطعت كل أوصال الثقة بالسياسات المعتمدة منذ أكثر من ربع قرن.
انقسم سياسيو لبنان أمام مطالب الشارع، وولد انقسامهم تعطيلا حكوميا يوسع كل يوم هاوية السقوط، وبين التكنوقراط والتكنوسياسي وقواميس المفاهيم المتعددة لكلا الكلمتين، تجاوز الدولار سقف الألفين وشُرعت أبواب السوق السوداء.
الدولرة وسوق الصرف الموازي، أديا الى خلق عصابات من التجار تلاعبت بزيادة الأسعار لا سيما على السلع التموينية، وغيرها مما كان المواطن يئن من ارتفاعها أصلا.
وزارة الاقتصاد - وفي غياب حكومي- تعجز عن فرض رقابتها على التجار والمحال التجارية.. السلعة تشترى بأسعار مختلفة "وأنت وحظك" مقولة مرتبطة بمزاج كل تاجر في سياسة الربح.
مؤسسات أقفلت أبوابها، والعاطلون عن العمل الى تزايد، ومودعون تتحكم البنوك بصرف أموالهم، وأكثر من ذلك باتت هي من تقرر أصول وتقنين الصرف وتحدد الأسباب الموجبة. وفي خضم ذلك تراجعت القدرة الشرائية عند المواطن، واستحال تسديد الالتزامات بما فيها القروض وايجارات السكن وغيرها.
لا شك ان الأزمة سَرَّعت في فضح هشاشة الوضع الاقتصادي في الداخل والخارج، حتى وصل الى خفض وكالة فيتش تصنيف لبنان الائتماني من ccc الى cc، عازية ذلك الى ان إعادة الهيكلة أو التعثر أصبحا "مرجحين نظرا للضبابية السياسية الشديدة والقيود المفروضة عمليا على حركة رؤوس الأموال وتضرر الثقة في القطاع المصرفي". وحسب فيتش، فان الدَيْن العام للبنان هو من أثقل أعباء الديون في العالم، إذ يبلغ حوالي 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
الشروط التي وضعتها الدول في القمة التي انعقدت في باريس الأربعاء الماضي من أجل دعم لبنان كانت واضحة في رفض المجتمع الدولي بتقديم أي مساعدة للبنان قبل أن يساعد نفسه، وكانت بمثابة رسالة واضحة الى كل السياسيين لحثهم على ايجاد حلول وإصلاحات جدية تحفز الدعم والمساعدة.
هي ليست مهزلة القدر التي تصيب لبنان اليوم، إنما مهزلة من أداروا السياسيات الاقتصادية والمالية على مدى سنين.. هذا البلد الصغير الذي تبلغ مساحته 10452 كيلومترا مربعا، في الحقيقة هو غني وليس فقيرا، ولا أحد يمكنه تبرير أو ايجاد الحلول لديونه الخيالية وأزمات مواطنيه وحاجاتهم الملحة إلا سياسيوه.
دق ناقوس الخطر، وإنقاذ سفينة - ولو مات أهل البحر كلهم- لم يعد جائزا، وفي الغرق كلنا مهددون، ما دام الوطن الى القعر يسبقنا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها