الديمقراطية لا تكتمل أركانها وتصبح حقيقية، إلّا انطلاقًا من دستور يستند أساسًا لمبدأ فصل الدين عن الدولة. الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر حسمت هذا الأمر، وحسمت أيضًا العلاقة بين الحاكم والمحكوم باعتبارها علاقة تعاقدية، عقد جان جاك روسو الاجتماعي، وأن شرعية الحكم لا تستمد إلا من الشعب وعبر صناديق الاقتراع ولمدة محدودة.

 

(إسرائيل) اليوم أمام سؤال فصل الدين عن الدولة، فبعد سبعة عقود اكتشفت أن ديمقراطيتها مليئة بالثقوب، والثقب الأكبر أنه لم يتم حسم علاقة الدين بالدولة. المعضلة والعقبة الكأداء هي في الفكرة الصهيونية التي أنشأت قومية اليهود انطلاقًا من رواية دينية توراتية. فالشعب اليهودي تم اختراعه وصياغة وجوده من قصص التوراة، وتاريخ تم تركيبه انطلاقًا من سياق ديني. فالحركة الصهيونية ليست كأي حركة قومية اوروبية أو غير أوروبية، لذلك كان مبدأ فصل الدين عن الدولة سؤالًا من الصعب الإجابة علية.

 

في (إسرائيل) اليوم تبلورت أربعة اتجاهات بخصوص هذه المسألة، طبعا الاتجاه الديني الأرثوذكسي وتمثله أحزاب شاس يهدوت هتوراه والاتجاه اليميني المتطرف من الصهيونية المحافظة هؤلاء يريدون ليس إبقاء الربط بين الدين والدولة إنما يريدون أكثر من ذلك أن تكون (إسرائيل) دولة دينية، لأنها من وجهة نظرهم هي كذلك منذ 3000 آلاف سنة. وهناك الاتجاه الصهيوني الليبرالي المحافظ ويمثله حزب ليبرمان، إسرائيل بيتنا، والشريحة الأوسع في تكتل الليكود، فهؤلاء يريدون فصل الدين عن الدولة ولكن مع الاحتفاظ بالصهيونية كحركة قومية متطرفة تستند للرواية التوراتية مع دولة علمانية. أما الاتجاه الثالث فهم الصهاينة الليبراليون وهم مع فصل الدين عن الدولة مع اعتبار أن الشعب الإسرائيلي قد تشكل كدولة قومية، ويمثل هؤلاء تكتل أزرق أبيض وحزب العمل وغيشر والحزب الديمقراطي الجديد، أي تجمع ميرتس وايهود براك. وهناك اتجاه رابع لكنه قليل العدد وهم بقايا الشيوعيين وبعض اليسار الصهيوني فهؤلاء يريدون الفصل مع قطيعة تامة مع الدين.

 

 ومع ذلك كله وحتى لو نجح أنصار الفصل في انتزاع هذا القرار من الكنيست فإن مشكلة ديمقراطية اسرائيل ستبقى قائمة باعتبارها دولة عنصرية وتحتل شعبا آخر، فهذه الدولة التي تدعي الديمقراطية مثقلة بالقوانين العنصرية وفي مقدمتها قانون يهودية الدولة أو دولة الشعب اليهودي، فهذا القانون وإلى جانب انه يكرر معضلة الفكر الصهيوني بإعطاء الدين صفة قومية، فهو قانون يتناقص مع مبدأ الدولة الديمقراطية الحديثة باعتبارها دولة كل مواطنيها بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون. فإذا كان أصحاب فصل الدين عن الدولة يريدون دولة ديمقراطية عليهم أن يتمتعوا بالشجاعة التاريخية ويبادروا إلى إلغاء قانون يهودية الدولة، لأن لا قيمة لفصل الدين عن الدولة مع وجود هذا القانون العنصري.

 

أما المسألة الأهم هي الاحتلال، احتلال اسرائيل للشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية، فالديمقراطية في اسرائيل ستبقى مأزومة اذا واصلت احتلالها لشعب آخر ولم تحسم مسألة المواطنة في داخلها. على أية حال فإن مبدأ فصل الدين عن الدولة هو النقاش الدائر هناك، وعلى ما يبدو ان الجزء الأكبر من الإسرائيليين قد ضاقوا ذرعا بالأحزاب الدينية الطفيلية التي تأخذ الميزانيات الكبيرة دون أن يخدم أعضائها في الجيش.

 

وبغض النظر عن الكيفية التي سينتهي إليها النقاش فإن مشكلة اسرائيل هي في الفكرة الصهيونية التي تأسست بموجبها والتي قامت على أساس نفي الآخر، فإذا لم تتخلص إسرائيل من عنصريها لن تصبح دولة ديمقراطية