في مثل هذا الوقت قبل عشر سنوات، اندلعت أحداث ما أطلق عليه زيفًا وبهتانًا، الربيع العربي، وكانت البداية في تونس الحبيبة حين أشعل الشاب بوعزيزي في نفسه النار في شارع الحبيب بورقيبة أعظم وأجمل شوارع العاصمة التونسية، ثم انتقلت الأحداث بسرعة البرق إلى ميدان التحرير في القاهرة ثم إلى ليبيا واليمن وسوريا ثم إلى المنطقة جميعها كما يحدث الآن، حيث يثبت بالدليل القاطع من خلال دراسة الوقائع أن الفوضى العارمة التي تحدث الآن رغم بعض أسبابها المنطقية، هي فوضى أميركية مئة في المئة، لأن الانكشاف الخطير الذي أحدثه صعود دونالد ترامب إلى البيت الابيض لا يوازيه سوء هذا النوع من الفوضى الكبيرة الشاملة.
التجربة الأولى في نهاية عام 2010، والثانية في 2019، مرت بسلام وخاصة في تونس بفضل حكمة الشعب التونسي، ونخبته السياسية والثقافية والاجتماعية، بينما في بقية العالم العربي ما زالت متداخلة وخطيرة وتبحث عن عودة الوعي وليس عن كمية الصراخ والضجيج.
في هذه الأثناء تضيء في حياتنا الفلسطينية الذكرى الخامسة والأربعون للاعتراف العربي والعالمي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلّاً شرعيًّا وحيدًا للشعب الفلسطيني من خلال مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الدار البيضاء في المغرب، والدور الكبير والنوعي الذي لعبه قادة من الوزن الثقيل أمثال الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز والرئيس الجزائري في ذلك الوقت هواري بومدين والملك المغربي المتميز في وعيه الخارق الحسن الثاني.
هذه الذكرى، تعيد طرح السؤال علينا فلسطينيًّا بشكل عميق، ماذا كان يمكن أن يحدث لقضيتنا وشعبنا لولا هذا العنوان "المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد"؟؟؟ وهذا السؤال يكتسب أهمية بعد أن اتضح خطورة الأدوار التي يمكن أن يلعبها بجنون بعض الاحزاب والتيارات العربية التي أحدثت في الحياة العربية صدوعًا خطيرة للغاية، مثل الأدوار التدميرية التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وامتدادها في فلسطين مثل الانقسام والانفصال الذي نفذته في قطاع غزة!!!
ولأن هذا العنوان، وهو منظمة التحرير، ظلَّ موجودًا وصامدًا ومصانًا، فإنَّ هذا الوجود قد عبر بنا إلى الأمام في ظروف متغيرة وعاتية، جعلنا نقف في صف النجاح والبقاء رغم الدوامات الخطيرة، وجعلنا نستطيع أن نحقق المزيد من الإنجازات، وأن نقف ضد إسرائيل وضدّ أميركا بجدية لإسقاط كل محاولات تصفية قضيتنا، خاصة تلك المحاولات الأخطر في عهد ترامب الذي يعاني الآن من سكرات العزل والهزيمة بعد أن أصبح في وسعنا أن نجعله يتذوق الفشل في ورشة البحرين، ومؤتمر وارسو، وصفقة القرن الملعونة او دعايات التطبيع العربي التي فشل فيها نتنياهو الذي يذهب الآن إلى المجهول.
ثوابتنا الوطنية، وإطاراتنا الفلسطينية، بحاجة دائمة إلى الإلهام والتجديد والحقن بقوة اضافية، مثل دعوة الرئيس أبو مازن إلى الانتخابات في الضفة والقدس وقطاع غزة دفعة واحدة، هذا هو الهدف، لأننا حين تجري هذه الانتخابات بنجاح، ولدينا القدرة على ذلك، نكون قد زرعنا ثوابتنا في الأرض بجذور راسخة، وأي انتقاص لهذا المعنى، وأي تلكؤ في هذا المسار، وأي اضافات مفتعلة أو انتقاصات مفتعلة هو خروج مكشوف من تحت سقف الأولويات الفلسطينية.
هناك موجة جارفة من الفوضى الأميركية، وهناك انكشاف حاد في الوضع الاسرائيلي، فهل يمكن أن يغامر أي طرف بنقل الاضطراب إلى ساحتنا الوطنية الفلسطينية؟؟
على الجميع أن يضعوا عقولهم في رؤوسهم وأن لا يذهبوا بأقدامهم إلى اللعنة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها