الحرب التي تشنها دولة الاستعمار الإسرائيلية ومعها الولايات المتحدة الأميركية ضد حركة المقاطعة BDS تتلقى ضربات قاسية داخل بلاد العم سام، وخاصة في أوساط الكنائس المسيحية، التي لم تعد تقبل الصمت، أو التواطؤ والتساوق مع سياسات المستعمرين الإسرائيليين بعد أن افتضحت أكاذيبهم، وعمليات تضليلهم للرأي العام العالمي بفعل الجهود الجبارة، التي تقودها حركة المقاطعة العالمية ضد سياسة الاستعمار الإسرائيلي، ونتاج السياسة الرشيدة والمثابرة، التي تعتمدها القيادة الفلسطينية في فضح وتعرية جرائم الحرب، التي ترتكبها إسرائيل ضد مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وفي مقدمتها الاستيطان الاستعماري، الذي هدد ويهدد مستقبل عملية السلام عموما، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

 

وتعميقًا لعملية المقاطعة تبنت الكنيسة الأسقفية في الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي الموافق 25/10/2019 قرارًا بسحب استثماراتها، وبيع اسهمها في الشركات الداعمة للاستعمار الإسرائيلي، ومنها: موتورولا، كاتر بيلر، وبنك ديسكونت الإسرائيلي. ولم تتوقف خطوتها عند هذا الحد، بل تتابع قيادة الكنيسة ملاحقة ومقاطعة كل الشركات التي تدعم سياسات إسرائيل، ومنها شركتا "فيسبوك" و"بوكنغ كوم" وغيرهما من الشركات.

 

ولم تكن خطوة الكنيسة الأسقفية منفصلة عما سبقتها إليه الكنائس الإنجيلية اللوثرية، والمشيخية، والميثودية المتحدة، والمسيح المتحدة، وهو ما يشير إلى التحول الإيجابي في أوساط أتباع الديانة المسيحية، الذين يرفضون الظلم، كما جاء في قرار المجلس التنفيذي للكنيسة الأسقفية في ختام اجتماعاته التي عقدها مؤخرا بـ"مقاطعة أي شركة تدعم، أو تستفيد من انتهاك حقوق الإنسان في أو من خلال احتلال الضفة أو القدس الشرقية أو قطاع غزة".

 

وأوضح المجلس أن معايير المقاطعة توجه ضد الشركات والمؤسسات بمختلف صنوفها واختصاصاتها، التي تعمل على توفير، أو القيام بأعمال تجارية، أو تقديم سلع، أو خدمات في أو إلى المستوطنات غير الشرعية وفقا للقانون الدولي، أو المساهمة في بناء، أو ترميم أبنية، أو غيرها من المرافق في هذه المستوطنات، أو تسعى بخلاف ذلك إلى الاستفادة من انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

وقدرت وشكرت رئيسة مجلس نواب الكنيسة الأسقفية، غاي كلارك جينيفز جهود كل القوى، التي أسهمت في توضيح صورة الانتهاكات الخطيرة، التي ترتكبها الشركات ضد العدالة للكنيسة، وقالت "إنني أقدر العمل الشاق، الذي قام به الكثيرون لعقود عديدة لتعزيز التزام الكنيسة بالعدالة لجميع شعوب الأرض المقدسة". بتعبير أوضح، ان الكنيسة ماضية قدما في خيارها لتحقيق العدالة، ورفع الضيم والغبن والانتهاكات الإسرائيلية عن الشعب العربي الفلسطيني، وفي الوقت ذاته، تأمين العيش الآمن لشعوب المنطقة عموما، وللشعبين في الأرض المقدسة، وهو ما يعزز الموقف السياسي الداعم لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.

 

النقلة النوعية الإيجابية في سياسات الكنائس الأميركية لها دلالات سياسية واقتصادية ومالية ودينية لجهة رفع منسوب ومستوى الوعي بين أتباعها لطبيعة وجوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وانكشاف الأكاذيب الصهيونية أمام الرأي العام الأميركي خصوصا والعالمي عموما. والذي سيكون له الأثر الإيجابي على مواقف اتباع الكنائس في أوروبا وباقي دول وقارات العالم، ما سيعزز من دفع عمليات المقاطعة خطوات متقدمة وجذرية في قادم الأيام، وستفتح الأفق امام دول العالم لاتخاذ قرارات شجاعة لفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على دولة الاستعمار الإسرائيلية لإلزامها بدفع استحقاقات السلام العادل والممكن والمقبول وفقا للقرارات الأممية. 

 

وأهمية هذه الخطوة الإيجابية، انها تأتي متلازمة مع الخطوات الجدية والشجاعة، التي بدأت بتنفيذها حكومة الدكتور محمد إشتية لتكريس المقاطعة لكل اصناف السلع، التي لها بديل في دولة فلسطين المحتلة، أو يمكن استيرادها من الدول العربية الشقيقة، أو من دول العالم الأخرى وبأسعار منافسة، الأمر الذي اثار ردود فعل غاضبة ومتشنجة من قبل المستويين السياسي والاقتصادي والطبي الإسرائيلي. غير أن ذلك لم يفت في عضد الحكومة، ولم يدفعها للتراجع، لا سيما أن برتوكول باريس الاقتصادي يسمح للسلطة الوطنية استيراد ما تريد من أي دولة من الدول. كما أن الباب فتح أمام إعادة النظر بالبرتوكول نفسه وفقا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي.