فُجِعُ شعبُنا يومَ أمس بحادثةِ القتلِ التي وقعتْ في مدينةِ نابلس، والتي راحَ ضحيّتَها الشّابُّ فراس عصام الشّايب، ولعلَّ مما يزيدُ منْ وَقْعِ الفاجِعَةَ أنَّ القتيلَ قدْ سقطَ ضحيّةَ رصاصةٍ طائشةٍ في حادثَةٍ لا علاقةَ لهُ بها، فقد قتَلَتْهُ رصاصةٌ أطلَقها رجلٌ أرادَ فرْضَ منطِقِ "الزّعرنةِ" وإخضاعَ القانونِ لنزواتِهِ ومصالِحه. وستكونُ الفاجعةُ أشدَّ مرارةً إذا لمْ نستخلِصْ منها الدّروسَ التي تضمنُ عدمَ تكرارِها. 

 

لا بدَّ منَ التأكيدِ بدايةً أنَّ حادثةَ القتْلِ بكلِّ ما تمثّلهُ من مأساةٍ لذوي الفقيدِ ولنابلس ولشعبِنا كلّهِ تبقى حادثةً عشوائيةً لم يكنْ القتيلُ هدفَها، وبالتالي يجبُ التّعاملُ معها على هذا الأساسِ دونَ إعطائها أبعادًا أخرى، ونحنُ على ثقةً أنَّ نابلس بكلِّ مكوّناتِها قادرةٌ على وضْعِ الحادثةِ في إطارِها الصّحيحِ وبما يغلِقُ البابَ أمامَ محاولاتِ تحميلِها أكثرَ مما تحتملُ بهدفِ إحداثِ فتنةٍ داخليّةٍ في هذه المدينةِ التي تختزلُ كلَّ معاني الوطنيّةِ والمقاومةِ والتّلاحمِ والتآخي. وفي هذا الإطارِ لا بدَّ من التعبيرِ عن التقديرِ الكبيرِ للسّرعةِ والحِكْمةِ التي تمّ التعاملُ بهما مع الحادثةِ من قِبَلِ كلّ المؤسساتِ والهيئاتِ والشخصيّاتِ المحليّةِ والوطنيّةِ وفي المقدّمةِ منها حكومةُ الشّعبِ الفلسطينيِّ ورئيسُها الدّكتور محمد اشتية، وليسَ هذا غريبًا أمامَ ما تحظى بهِ مدينةُ نابلس-جبَلُ النّارِ من مكانةٍ في صُلبِ مشروعنا الوطنيّ.

 

لا بدَّ من التوقّفِ أمامَ ظاهرةِ التعدّي على القانون والتطاولِ على الممتلكاتِ العامّةِ وثقافةِ التّعاملِ معها بعقليةِ السّطوِ وفرْضِ الأمرِ الواقعِ بالقوّةِ، وهي ظاهرةٌ تنمُّ عن مسلكيّةٍ لا تؤمنُ بالوطنِ بصفتِهِ "ملكيّةً عامّةً" تتساوى فيه حقوقُنا، وهذا يعني أنّ الرّصيفَ والمنتَزهَ والشّارعَ وخطَّ الكهرباءِ وأنبوبَ المياهِ هي جزءٌ من الوطنِ، وهي بالتّالي "ملكيّةٌ عامّةٌ" لا يجوزُ التطاولُ عليها وتسخيرُها لخدمةِ مصلحةٍ خاصّةٍ مهما كانَ نُبْلُ ونَفْعُ هذهِ المصلحةِ. ولأنَّ الأمرَ كذلكَ فإنّ من يسمحُ لنفسِهِ بالاستحواذِ على شيءٍ ليسَ له، ومهما كانتْ قيمتُهُ، فإنّهُ ببساطةٍ سارقٌ ومُحتالٌ يجبُ رفعُ الغطاءِ عنهُ والتّعاملُ معهُ كخارجٍ عن القانونِ والأعرافِ والتقاليدِ، إذْ لا فرْقَ بين من يسطو على بيتٍ أو مصرِفٍ أو متجَرٍ وبينَ من يحتلُّ الرّصيفَ المخصّصَ للمارّةِ أو من يسرقُ الكهرباءَ من "البلدية"، فهذهِ العقليةُ لا تبني وطنًا ولا تراكِمُ ربحًا من تجارةٍ قائمةٍ على الغشِّ والسرقةِ. لا باركَ اللهُ في تجارةٍ كهذه!

 

حمايةُ الملكيةِ العامّةِ والخاصّةِ هي مسؤوليةُ الحكومةِ المركزيةِ ومؤسّساتِ الحُكمِ المحليِّ، والشّرطةُ والأجهزةُ الأخرى المكلّفةُ بإنفاذِ القانونِ وبصيانةِ الحقِّ العامِّ والخاصِّ هي أداتُنا المُشتركةُ للدفاعِ عن حقوقِنا ضدَّ أي انتهاكٍ أو تجاوز. هكذا يتمُّ تطبيقُ القانونِ في كلِّ أنحاءِ العالمِ باستثناءِ الدّولِ الفاشلةِ، ولنْ نكتشفَ جديدًا إذا قلنا أنَّ أحدَ معاييرِ الالتزامِ بمصلحةِ الوطن يكمنُ في احترامِ القانونِ والقائمينَ على رعايتِهِ والمدافعينَ عنهُ بأرواحهِم عندما تكونُ هناكَ ضرورةٌ لذلك. من هنا يجبُ رفضُ كلِّ محاولاتِ تعطيلِ تطبيقِ القانونِ أو اعتراضِ القوى المكلَّفةِ بذلكَ أثناءَ تنفيذِ واجبِها، وإذا كانَ هناكَ شعورٌ بالظُّلمِ -وهو أمرٌ جائزٌ- فلا يُعقَلُ أنْ يلجأَ أحدٌ إلى القوّةِ واستخدامِ الأسلحةِ النّاريّةِ في مواجهةِ رجالِ الشّرطةِ وموظّفي البلديةِ مهما كانَ موقعُهم. وهذا يقودُنا إلى مسألةٍ أخرى لا تقلُّ خطورةً بنتائجِها عن كلِّ ما سبقَ، وهي ظاهرةُ حيازةِ السّلاحِ الذي يجري استخدامُهُ للتطاولِ على القانونِ ورموزِهِ، ولا بدَّ من تكامُلِ الجهودِ لوقفِ هذهِ الظّاهرةِ المُقلِقَةِ لأنّها تشكّلُ خطرًا على السّلمِ الأهليِّ وعلى المشروعِ الوطنيِّ برمّتهِ، وهو خطرٌ لا يقلُّ عن خطرِ السلاحِ الذي يحملهُ المستوطنونَ الدّخلاءُ ويروّعونَ بهِ أبناءَ شعبَنا، وليَكُنْ شعارُنا: لا قدسيةَ لسلاحٍ يتساوى مع سلاحِ المستوطنينَ!

 

* الفقيدُ فراس عصام الشايب هو ضحيةُ "الزّعرنةِ" والتّطاولِ على القانونِ ومنفّذيه، وكانَ يمكنُ أنْ يكونَ للضّحيّةِ إسمٌ آخر: أنا أو أنت!

 

٢٦-١٠-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان