رغم كل الآلام والمشاهد العنصرية والاجرامية، لم يخرج فلسطينيٌّ واحد من أرض القداسة يرفع رايةً بيضاء، وإنما كانت صرخات الله أكبر تنخرُ آذان جنود الصهاينة، وكانت أيدي الجرحى الملطخة بالدماء ترفع علامة النصر
وتشهد الأراضي الفلسطينية، وما زالت تطوراتٍ ميدانيةً ساخنة، ووقائع متفجرة، وأحداثاً دراماتيكية، ومتغيراتٍ متصاعدة في طبيعة الصراع الجذري القائم على الأراضي الفلسطينية المباركة.
إن الاستيطان لم يترك بقعة إلاَّ ودنَّسها، ولم يدخل حياً، أو قرية، أو بلدةًّ، أو مدينة إلاَّ ودمَّر الأبنية فيها، وأغلق الطرقات، وكثَّف الاعتقالات، وضاعف عدد الأسرى والأسيرات، حتى اكتظت الزنازين والمعتقلات.
والعبءُ الاكبر اليوم يصبُّ على محافظة القدس بكل تفاصيلها، وتضاريسها، ومخيماتها، ومؤسساتها، ومقومات صمودها وبقائها، وكل عناوين تراثها، ورموز حضارتها، ومساجدها، وكنائسها، وآثارها الدينية، ومن أقصاها إلى صخرتها إلى مصلاها، وكل شواهد وبيارق ومآذن الإسراء والمعراج.
أهلنا في مدينة القدس، ورغم كل المآسي والجراح النازفة، ورغم كل الآلام والمشاهد العنصرية والاجرامية، لم يخرج فلسطينيٌّ واحد من أرض القداسة يرفع رايةً بيضاء, وانما كانت صرخات الله اكبر تنخرُ آذان جنود الصهاينة, وكانت أيدي الجرحى الملطخة بالدماء ترفع علامة النصر, وكانت رؤوسُ وأعناقُ الشبان الأسرى والمعتقلين في ساحات الصراع وساحات الأقصى والصخرة، كانت هذه الهامات تناطحُ آفاقَ السماء مشيرة بأن النصر آت .
أهلنا في القدس خرجوا بعشرات الآلاف رجالاً ونساءً وشبيبة ليؤكدوا للاحتلال الصهيوني بأن الشعب الفلسطيني هو صاحب هذه الديار، وهو حارسها حتى يوم الدين، ونحن حماةُ الأقصى، والديار المقدسة نعتبرها أمانةً في أعناقنا.
يا أهلنا في فلسطين ...
يا أبناء شعبنا في القدس العربية والاسلامية والمسيحية، نحن في بلاد الغربة نعيش معكم همومَكم ومسؤولياتكم الوطنية في الخندق الأمامي من خنادق حماية الأقصى، من كل محاولات التهويد ومخاطرها، وندعو العالم الحُرَّ وكل الشرفاء أن يأخذوا المبادرة للانخراط في معركة شعبنا هناك في القدس، من أجل حماية المقدسات الدينية والأراضي المقدسة، وتقديم العون والدعم لأهلنا الصامدين بوجه جيش الاحتلال الصهيوني العنصري الذي يمارس أبشع صور الجرائم في إطار حرب الإبادة، والتخلص من الشعب الفلسطيني الذي وُلد وعاش هو وآباؤه وأجداده منذ آلاف السنين على هذه الأرض.
ثانياً: عندما نطالب العالم بهذه الوقفة الجريئة والمبدئية إلى جانب شعبنا المعذَّب، فإننا ننطلق من منطلق وعينا وإدراكنا، بأنَّ هذا العالم كانت دُولُهُ محتلة، واليوم أصبحت مستقلة، ونحن الدولة الوحيدة التي ما زالت أرضُنا محتلةً منذ واحد وسبعين عاماً، وبعد هذه السنوات الطوال آنَ الأوانُ أن يقول العالمُ الحرُّ كلمتَهُ الحاسمة لردع الصهيونية ورموزها ترامب ونتنياهو وأتباعهم الذين يستفردون اليوم بالشعب الفلسطيني، وخاصة أهالي القدس الحرَّاس المؤتمنين على كل مقدساتنا الإسلامية والمسيحية في كل الأحياء المقدسة، وذلك نيابةً عن كل الأمة التي تسمع وتشاهد وتتابع كلَّ ما يجري هناك من جرائم يتصدى لها شبابنا، ونساؤنا، ومشايخنا، ورجال الدين من المسلمين والمسيحيين.
ثالثاً: لا شكَّ أن طبيعة الصراع القائمة اليوم ضد الاحتلال الصهيوني، والمستوطنات، ومحاولات هدم الأقصى، وتهديد أماكن العبادة، وتهجير الأهالي بعد تدمير أبنيتهم، هو صراع جذري. فإما أن نكون نحن أسياد الأرض وحرَّاسها، وسدنتُها، ونحن الذين تصدح أصواتُنا من مآذننا بقول الله أكبر، ونحن أيضاً من يقرع أجراسَ كنائسها، وإما فإن الصراع قائم ومتواصل من جيل إلى جيل، حتى نهزم بني صهيون، الذين تجرأوا بقوة الإرهاب والاستعمار والمجازر على أرضنا وشعبنا، وهذا عهدٌ علينا نحن أبناء فلسطين لن نحيد عنه.
رابعاً: إنَّ تمسُّك أهلنا في كل الأراضي الفلسطينية، وخاصة في محافظة القدس، والدفاع المستميت عن قدسية وحرمة أماكن العبادة، والتصدى لقطعان المستوطنين الذين يدخلون إلى باحات الأقصى من باب المغاربة تحت حراسة جنود الاحتلال، محاولين بكل الطرق تثبيت التقسيم الزماني والمكاني، إلاَ أنهم رغم الضغوطات الهائلة ما زال أهلنا هم الذين يسيطرون على الأماكن المقدسة، ويدافعون عنها بقوة الايمان والإصرار على نيل الشهادة أو هزيمة الاحتلال.
خامساً: إنَّ القيادات السياسية، والدينية، والاجتماعية والثقافية والاعلامية أثبتت أنها على قدر المسؤولية في الازمات السابقة حيث احتشد ما يزيد على مئة الفٍ صباحَ عيد الأضحى، وما يزيد على مئة وخمسين ألفاً عندما كانت معركة نصب الكاميرات في باحات الأقصى. والذي يسهم في إنهيار معنويات الاحتلال هو المشاركة الواسعة من أهلنا في أراضي الثمانية والأربعين بشكل مكثَّف ومتواصل وبحماسةٍ متناهية، هذا التضامن والتفاعل في المجتمع الفلسطيني هو مفتاح الانتصار لشعب أسَّس مع قيادته أعظم ثورة في العالم هي الثورة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح".
سادساً: أننا كحركة "فتح" نشيد بالدور الثوري والوطني الذي يقوم به شعبنا في كل فلسطين، وخاصة قي القدس المحتلة درة تاج فلسطين، ونذكِّر هنا بالدور الميداني التنظيمي، والاعلامي، والاجتماعي، وحماية الجماهير، والرموز، وكذلك الدور السياسي الذي يحتاج إلى جهد تعبوي لكافة الشرائح حتى تكون مستعدة لتحمل التبعات الثقيلة في مسيرة التحدي والمواجهات. ونحيي الاخوة من كل الفصائل الذين لا يغادرون ساحة الميدان، رغم صدور العديد من مذكرات التوقيف والاعتقال، والطرد والابعاد عن بيوتهم وأُسرهم، ونذكِّر بالبعض منهم وعلى سبيل المثال محافظ القدس عضو المجلس الثوري عدنان غيث، وفضلية الشيخ عكرمة صبري، وسماحة المفتي الشيخ محمد حسين، وغيرهم من رجال الدين، وأمين سر إقليم حركة "فتح" في القدس شادي مطور، ومسؤول حركة "فتح" في بلدة العيسوية، ومنها سامر العيساوي من الديمقراطية الذي أضرب عن الطعام لعدة شهور احتجاجاً على الأحكام الادارية التي صدرت بحقه. وهناك جداول طويلة من القيادات التي تعمل ليل نهار من أجل تعزيز حصانة القدس بكل مكوناتها.
ما نود الاشارة إليه، وما يجب أن يفهمه العدو الصهيوني، أن شعبنا الفلسطيني بكل قواه جذورُه ضاربة في أرضه، وقناعاته بقيادته وبحقوقه راسخة وثابتة لا تتبدَّل فالقدسُ ستقف على رجليها، وتصرخ صرخةَ رجل واحد:
القدسُ خيارنا، والاقصى شاهدٌ علينا، والخلود لشهدائنا الابرار، والشفاء العاجل لجرحانا البواسل، والحرية والعزة لأسرانا الأبطال.
وإنها لثورة حتى النصر
قيادة حركة فتح في لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها