بيان صادر عن قيادة حركة "فتح" في لبنان – إعلام الساحة
إنَّ وعد بلفور هو ذلك التصريح الخطير الذي أعلنه اللورد آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانية بتاريخ ٢-١١-١٩١٧ موجهاً إلى البارون روتشيلد اليهودي البريطاني وجاء فيه: (إنَّ حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وسوف لا يُسمح بإجراء شيء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين الآن، أو بالحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى وبمركزهم السياسي فيها).
وما كرَّس هذا التصريح ليصبح وعداً هو أنَّ الاتفاق الدولي على الانتداب ضمَّن هذا الوعد بنصه في صك الانتداب البريطاني على فلسطين في ٢٠-٦-١٩٢٢، وجاء التضمين على الشكل التالي: "تتولى الدولة المنتدبة مسؤولية إنشاء أحوال سياسية وادارية واقتصادية في البلاد، ونمو مؤسسات الحكم الذاتي، وصيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين". وهكذا فإنَّ إجراءات بريطانيا جاءت معاكسة تماماً لتصريح الجنرال اللمبي يوم دخوله بيت المقدس في ٩-١٢-١٩١٧ بأنَّ هدف الحملة العسكرية البريطانية هو تحرير فلسطين من السيادة التركية، وإقامة حكومة وطنية فيها، ولكنَّ ما حصل حقيقة أن بلفور احتضن المشروع الصهيوني، وأقام الدولة اليهودية على حساب الحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني، وهذا ما يتعارض مع شرعة عصبة الأمم وقراراتها.
وبالتالي فإنه لا يحق لبريطانيا كدولة منتدبة أن تفرض نفوذها وسيطرتها على أرض غيرها. والجدير بالذكر أنه بعد قيام الثورة الروسية في العام ١٩١٧ تمَّ إبلاغ الشريف حسين بمضمون وعد بلفور التآمري، إلاَّ أن وزير خارجية بريطانيا بلفور أبرق إلى الملك حسين ناكراً وجود هذه المعاهدة، وأن بريطانيا حريصة على علاقاتها مع العرب. وهكذا انحازت بريطانيا بالكامل إلى الحركة الصهيونية وانشأت الكيان الصهيوني.
وكان قرار التقسيم الاستعماري في ٢٩-١١-١٩٤٧ هو القرار الأخطر والمتمّم لوعد بلفور، حيث أقرت الجمعية العمومية تقسيم فلسطين، وإقامة الكيان الصهيوني على ٥٦% من أرض فلسطين التاريخية.
لقد تم تنفيذ هذا القرار الاستعماري البريطاني في ١٥-٥-١٩٤٨ بالحديد والنار، بالمذابح والمجازر، بتشريد الشعب الفلسطيني، واقتلاعه من أرضه التاريخية. وبعد النكبة المأساوية، والتي هي جريمة العصر الأولى، والفضيحة السياسية والقانونية والاخلاقية الأبرز والأهم في القرن العشرين والتي أسستها بريطانيا ثم احتضنتها، وكرستها، وحمتها الولاياتُ المتحدة التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، وأصبحت وهي وَكْر الصهيونية الأول في العالم، المحتضنة للمشروع الصهيوني، والذي تجسَّد على أرض فلسطين التاريخية، من خلال زرع كيان صهيوني استعماري معادٍ للبشرية، ولشعوب المنطقة، وللأمة العربية والاسلامية. ولا نغالي إذا قلنا بأن هذا الكيان الصهيوني العنصري هو قاعدة عسكرية أميركية محصَّنة بأضخم الأسلحة والقنابل وترسانات الصواريخ، والقنابل الذرية والنووية، وهي بالتالي رأس الحربة الاميركية والصهيونية المسمومة المغروسة في جسم الأمة الاسلامية والعربية، والأمة أصبحت تتعاطى مع هؤلاء كأنهم أمر واقع، وكأن لهم حقوقاً.
في هذه المناسبة الأليمة والتي نتوقف أمامها كل عام، لنتذكر التاريخ الأسود، تاريخ التآمر على شعبنا ووجودنا، تاريخ المجازر، والمآسي، والمذابح، وندفع الثمن وحدنا والأمة من حولنا عاجزة عن أخذ القرار، ومستسلمة للواقع، وأصبحنا نقول ياوحدنا، تماماً كما حصل عند الاجتياح الاسرائيلي العام ١٩٨٢، ودافعنا وحدنا مع شعبنا اللبناني وخضنا معركة مشرفة على مدار ثلاثة أشهر ولم نرفع راية بيضاء.
ولأن هذا الحدث مفصلي وتاريخي في حياة أمتنا وشعبنا فإننا نؤكد مجموعةً من الحقائق:
أولاً: إنَّ شعبنا الفلسطيني كان يعي أبعاد المؤامرة الاستعمارية منذ أن بدأ الانتداب البريطاني على فلسطين، وشعبنا خاض المعارك الشرسة ضد الاستعمار البريطاني وضد المهاجرين الصهاينة الذين جاؤوا بهم من مختلف دول العالم، هذه الدول التي كانت تكره اليهود، وأرادت إبعادهم للتخلص منهم، وإلقائهم على الأراضي الفلسطينية بحماية الانتداب، وشعبنا خاض المعارك معهم منذ العشرينات، وثورة البراق شاهدة على ذلك العام ١٩٢٩.
وكذلك في ثورة ١٩٣٦، ولا ننسى المعارك التي دارت في كل الأراضي الفلسطينية ضد العصابات المسلحة، وخاصة معركة القسطل في القدس التي خاضها الشهيد القائد عبد القادر الحسيني. وكنا وحدنا.
ثانياً: لم يكن خافياً على الأمة العربية والإسلامية أنَّ زرع هذه المستعمرة من الصهاينة شذّاذ الآفاق، تم تجميعهم وإلقاؤهم في هذه الارض الفلسطينية المباركة، إنما جاء في إطار خطة تنفيذ مؤامرة سايكس بيكو التي قسَّمت العالم العربي وأقامت الحدود الاستعمارية، حتى تسهل عملية السيطرة، والتحكم بالعالم العربي والإسلامي، وتدمير القيم والمفاهيم العروبية والقومية والوحدوية. وهنا كانت الضرورة تقضي بفرض الكيان الصهيوني ليكون هو الحارس الأمين على المصالح الاستعمارية في المنطقة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية حتى يصبح هذا الكيان الصهيوني قوة عسكرية هائلة، قادرة على التحكم بالمنطقة كاملةً، وحتى تدمِّر أي محاولة لتوحيد الأمة العربية، وهذا ما حصل منذ ١٩٤٨ وحتى الآن، لأنَّ صراعات الدول العربية قائمة فيما بينها، وليس الصراع مع العدو الصهيوني.
ثالثاً: بعد مررو مئة وسنتين على وعد بلفور ٢-١١-١٩١٧ لم يعد يكفي أن نذرف الدموع، وأن نندب حظنا، وأن نلوم أمتنا، أو أن نشكو همنا لدول العالم، وإنما المطلوب خطوات جذرية مدروسة، وجريئة نابعة من القيم والمبادئ الثورية التي تربينا عليها، وهنا نركِّز على مجموعة قضايا جوهرية، ومُلزمة لنا جمعياً، وبعيدة عن المناورات واللفِّ والدوران، لأن أوضاعنا الفلسطينية تحتاج منا أن نتعاطى مع بعضنا، ومع قضيتنا ومصيرنا بوضوح، واضعين نصبَ أعيننا الأمانةَ التي وضعها في أعناقنا عشرات آلاف الشهداء، والأسرى والجرحى، وأن لا ننسى بأن بين الأسرى هناك أسيرات، وأمهات، وأخوات، ومرضى يئنون، وكرامتهم تُهان على أيدي العصابات الصهيونية فمتى نصحو من غيبوتنا، ومتى ننفض عنَّا توب الاستكانة، ونعلن التمرد، والثورة على الواقع المؤلم:
1- آن الأوان أن نعي بأننا لن ننتصر طالما هناك انقسام في الساحة الفلسطينية، والانقسام لا يخدم إلاَّ العدو الصيهوني، وليس هناك أي مبرر لاستمراره، لأنه خنجر مسموم مزروع في الجسم الفلسطيني. وليس مسموحاً في الساحة الفلسطينية أن يكتفي فريق من الفصائل بالقول: "طرفا الانقسام،" هذه مقولة لاصحة لها، وهروب من الواقع، ولا بد من الجرأة حتى ننتصر لفلسطين.
2- يجب حسم القضايا الخلافية الداخلية لأنها إمَّا مفتعلة، أو شكلية، وعلينا التمسك بالقضايا الجوهرية، لأنَّ العدو الأساس هو الكيان الصيهوني. لذلك هناك أمور لا بد من التسليم بها حتى لا نعود إلى الوراء، وعندما نكون جسماً واحداً عصياً على العدو الأساسي نستطيع أن نعالج أية خلافات في وجهات النظر. ومن هذه الحقائق التي يجب التعامل معها:
أ- إنَّ منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست العام -١٩٦٧، واعتراف بها العالم ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني العام ١٩٧٤، وممثل المنظمة يحضر كافة الجلسات وهي ليست خاضعة للاختلاف على دورها وعلى صفتها، والشعب الفلسطيني أينما كان لا يخرج عن إطارها، حتى لو كان للبعض وجهات نظر معينة في بعض القضايا، فهذه تُناقَش داخل الأطر، ولا يجوز أن نجعل العرب عربين لأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فالمشروع الوطني الفلسطيني الذي جسَّدته منظمة التحرير الفلسطينية، ومجالسها الوطنية والمركزية، هو مشروع شامل لكل أطياف الشعب الفلسطيني بكل فصائله، وطوائفه ومذاهبه، وشرائحه لأنه المشروع الجامع والموحِّد رغم بعض التباينات، وهو الأساس.
ب- إنَّ الابقاء على قطاع غزة منفصلاً عن الضفة الغربية لا يخدم إلاَّ نتنياهو ومشروعهُ الصهيونية، والقطاع دفع ثمناً غالياً، وما زال يدفع الاثمان، وهناك إصرار أميركي وصهيوني على عملية الفصل والانقسام لتدمير الكيان الفلسطيني جغرافياً وسياسياً، واخضاع القطاع لحسابات ترامب- نتنياهو.
وبالتالي فإنَّ وحدة الضفة والقطاع من ثوابت القضية الفلسطينية، لأنها توحِّد القرار، وتصلِّب الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتقطع الطريق على المخططات الصهيونية التدميرية.
إنَّ المخرج المنطقي والموضوعي والوطني من الأزمة الخانقة، التي تكبلِّ وتهدد الساحة الفلسطينية حالياً وعنوانها الانقسام، هو إجراء الانتخابات العامة، والتقدم لها بنيات صافية، وبدون خلفيات، والقبول المسبق بنتائجها مهما كانت لأنها خيار الشعب، ومن حق الشعب صاحب القضية الأساس أن يقول كلمته بحرية حتى نهتدي جمعياً بها، لأن الشعب الفلسطيني الذي قدَّم التضحيات هو القائد الأول، والمعلم الأول، والقاضي العادل. ولا يجوز لأحد أن يقاطعها، أو يشكك فيها طالما أن هناك لجنة انتخابات عليا فلسطينية، تتعاطى مع الجميع حسب القوانين واللوائح المقرَّة، وطالما هناك وفود وشخصيات دولية ستكون شريكة لنا في هذا العرس الوطني، وستكون شاهدةً وكلمتها مسموعة كما حصل في العام ١٩٩٦، والعام ٢٠٠٥، والعام ٢٠٠٦.
ونضيف بأنَّ وجود الرئيس أبو مازن على رأس الهرم الفلسطيني، هو ضمانة حقيقية للمصداقية، ورفض أي عملية تزوير أو تلاعب. وهذه المصداقية عبَّر عنها بكل أمانة في انتخابات العام 2006، عندما نجحت حركة "حماس" في التشريعي، والرئيس أبو مازن كلّف الأخ إسماعيل هنية بتشكيل الوزارة، وتقَّبل كافة النتائج، والرئيس يتميَّز بمصداقيته المجرَّبة وهو الضمانة الحقيقية لأنه يمثل الشعبَ الفلسطيني بكل مكوناته.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
والنصر والعزةُ لأسرانا الأبطال.
والشفاء لجرحانا المكافحين الصابرين.
وإنها لثورة حتى النصر
قيادة حركة "فتح" في لبنان
إعلام الساحة
٢-١١-٢٠١٩
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها