بيان صادر عن قيادة حركة فتح في لبنان
(إنَّ المخيّمات هي أحد اكبر وأهم العناوين الوطنية الفلسطينية الكفيلة بالحفاظ على القضية الفلسطينية)
يا جماهير شعبنا الفلسطيني في لبنان...
أيها الصابرون على جمر المعاناة والتشرد. أيها الصامدون أمام الكوارث، والهزات الأمنية، والحروب المتعاقبة، والظروف الاقتصادية، والعلاجية، لكنكم والتاريخ يشهد لكم، ويشهد لشعبكم الفلسطيني في كل أماكن تواجده بأنّكم لم ترضوا يوماً أن ترفعوا الراية البيضاء، أو أن تستسلموا لكل من أراد تركيعكم مهما كانت العقبات والصعاب، ووقفات العزِّ والمروءة، والنخوة الوطنية، كانت دائماً هي التي تجعل رؤوسكم مرفوعة، رغم الجوع والعطش والألم.
إنَّ كلَّ شعوب العالم التي كافحت وناضلت عانت الأمرَّين، قتلاً، وتدميراً، وحصاراً، وتجويعاً، وعذاباً في المعتقلات والزنازين، وبعد الصبر ورفض الاستسلام نالت الحرية والاستقلال. وأنتم يا أبناء شعبنا المكافح والمجاهد، لم تُسجِّل يوماً في تاريخك أنك استسلمتَ أو هنت، أو تراجعت، أو تخاذلْتَ رغم جراحِك النازفة. ورغم قوافل شهدائك من مخيم النبطية الذي دمَّره العدو الصهيوني، إلى مجازر تل الزعتر، ومجازر صبرا وشاتيلا، إلى مأساة تدمير مخيم البارد، ورغم نزيف الدماء الذي يستهدف أمنَ مخيماتك من أجل تفكيكها، لكننا رغم الهمِّ الكبير، والألم الذي يعتصر القلوب، تعاونت القيادات الفلسطينية مع كل الجهات المعنية، وحفاظاً على استمرارية وجود هذه المخيمات بمن فيها لأنَّ المؤامرة تستهدفها، وتستهدف وجودها، لأنها أحد أكبر وأهم العناوين الوطنية الفلسطينية الكفيلة بالحفاظ على القضية الفلسطينية.
يا جماهير شعبنا الفلسطيني، والذي منذ انطلاقة ثورته الوطنية لا يعرف إلاَّ الثبات، والنصر و التمسك بالثوابت الوطنية، ومقارعة الاحتلال، وإسقاط المؤامرات وتفكيكها، والدوس على من يزرع الفتنة، أو يتلاعب بالقضايا المصيرية، لأن التجربة المريرة، والصعبة التي عاشها شعبنا جعلته شديدَ المراس، وصلباً في المواجهات، خاصة عندما تكون كرامتنا الوطنية وقضيتنا الفلسطينية في خطر حقيقي.
إنَّ الخطر الداهم اليوم، والذي يستهدف كل مكوّنات قضيتنا، سواء كانت القدس وعروبتها وقدسيتها، أو أراضي، الدولة الفلسطينية المقرّة دولياً، والاستيطان المكثَّف لأراضينا، إضافة إلى نسف حقوق اللاجئين الفلسطينيين من أساسها، وإلغاء القضية الجوهرية، وهي حق العودة إلى الأراضي التي شُرًد منها شعبنا، ومرجعية العودة هي القرار 194الدولي .
المعركة اليوم على أشدِّها بين شعبنا سواء أكان المقيم على أرضه، أو اللاجئين المشتتين في خارج الوطن، وعددهم يقارب 6 مليون نسمة.
نحن نعتبر عودة اللاجئين هي الجوهر لأنها حق دولي مشروع، والحفاظ على حق العودة، وتقرير المصير هو جوهر كفاحنا الوطني منذ النكبة حتى الآن، أي منذ واحد وسبعين عاماً، ونحن نواجه بقوة كل محاولات اجتثاثنا، ونواصل التحدي جيلاً بعد جيل. اليوم ترامب الأميركي، ونتنياهو الصهيونيان وضعا ثقلهما الدولي والإقليمي من أجل تدمير شرعية قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، واستخدموا أقذر، وأسوأ، وأشرس الوسائل والأساليب للتخلص من قيادة "م.ت.ف"، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، واستبدالها بجهة مستعدة للتواطؤ والتآمر على الشعب الفلسطيني الذي ناضل وما يزال منذ العام 1959 أي تأسيس حركة "فتح" وحتى الآن. وهذا الإصرار الأميركي الصهيوني واجه سداً منيعاً صلباً تمثَّل بمواقف سيادة الرئيس أبو مازن، الذي أفشل الجزء الأكبر من المشروع الذي يستهدف القضية الفلسطينية وخاصة القضية الأهم، وهي قضية اللاجئين المرتبطة رسمياً ودولياً بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ومن هنا فإنَّنا وباسم حركة "فتح" نؤكِّد ومن موقع المسؤولية القضايا التالية حفاظاً على النضال الفلسطيني، وعلى استمرار دور "الأونروا" في هذه المرحلة الحساسة:
أولاً: المنطق الوطني الفلسطيني يفرض علينا التمسك بوكالة "الأونروا" المعنية بقضية اللاجئين منذ العام 1949 وخاصة القرار (302). ولا نسمح بحل هذه الوكالة قبل أن ننال حق العودة وتقرير المصير كاملاً حسب القرار 194.
ثانياً: إنَّ الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بزعامتها الحالية ترفض علناً وليس سراً وجودَ مؤسسة "الأونروا"، لأنها هي التي توثِّق حقوق اللاجئين، وما زالت حتى اليوم، ولذلك فإنَّ ترامب ونتنياهو وأنصارهم المحَّرضون، سحبوا كافة الموازنات التي كانوا يقدمونها للـ"أونروا"، من أجل أن تنهار وتفقد قدرتها على الاستمرار في تثبيت حقوق اللاجئين.
ثالثاً: إنَّ الحركة الصهيونية بزعامة الطاغوت نتنياهوــــ ترامب يسعون جاهدين إلى إلغاء "الأونروا" واستبدالها بمؤسسة دولية هي "مفوضية اللاجئين الدولية للإغاثة الإنسانية" والتي لا علاقة لها إطلاقاً باللاجئين الفلسطينيين، لأنَّ قضيتهم سياسية وليست طعاماً وشراباً وسكناً.
رابعاً: من الواضح أن بعض المؤسسات، والجهات والهيئات تنشط اليوم، لتشجِّع اللاجئين الفلسطينيين من لبنان وسوريا، بتسليم الهويات، وبطاقات الإعاشة، وتحريض الأهالي لتسليمها بأنفسهم أو عبر وسطاء مُكلَّفين لا علاقة لهم بأي طرف فلسطيني، لتسليمها إلى مكتب الأوروا المركزي، والطلب رسمياً بسحب اسمه من وكالة الأونروا، كمواطن فلسطيني له حق العودة إلى ارض فلسطين والتعويض إلى مجرد لاجئ في منظمة اللاجئين الدولية التي لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني وحقوقه كلاجئ ينتظر حق العودة.
خامساً: إنَّ التشجيع على مثل هذه الخطوة يخدمُ المشروعَ الترامبي، الذي يريد أن يتخلّص من موضوع اللاجئين الفلسطينيين ومن حق العودة، وهي بالتالي عملية انتحار سياسي وطني تريح عدونا الصهيوني من همِّ عودة اللاجئين إلى أرضهم.
سادساً: إنَّ ما يتم ترويجه من أنَّ بعض الأشخاص الذين سلَّموا بطاقاتهم إلى المفوضية الدولية، أو إلى الأونروا لسحب حقهم من الأونروا، وإعطاء الحق إلى المفوضية للتصرف بمستقبلهم بعيداً عن أرضهم التاريخية. وكما جاء في أحد البيانات التي صدرت عن هيئات شبابية ((أنها متمسكة بهذا الخيار تحقيقاً لإرادة آلاف اللاجئين الفلسطينيين في تقرير مصيرهم من أجل العيش بكرامة، وتأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة)). بعد هذا الكفاح الوطني لأعظم شعب، وأعظم قضية، وأكثر قضايا العالم تعقيداً، وأهم ثورة في تاريخ العالم، فإنّ شعبنا لن يبيع قيمه ومبادءه، وحقوقه الوطنية التي ناضل من أجلها، وهي حق العودة وتقرير المصير على أرضنا مقابل الطعام أو الملجأ، أو اللجوء الإنساني بالطريقة التي يخطط لها ويقترحها ويعمل من أجلها ليل نهار ترامب ونتنياهو، من أجل تمرير صفقة العصر المدِّمرة. مزيداً من الصمود يا أبناء شعبنا، وكما قال الشهيد أبو علي إياد نموت واقفين ولن نركع.
وعلينا أن ندرك مخاطر المشاريع المطروحة، وأن نفكِّر فيها جيداً قبل الإقدام عليها. وبالتالي ليس كلُّ ما يلمعُ ذهباً.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والعزةُ لآلاف الأسرى الأبطال
والشفاء والعافية لجرحانا
والنصر لنا والمسيرة شاقة وطويلة، ولن نرفع الرايةَ البيضاء لأنَّ الكرمة الوطنية، وأمانة الشهداء، وعذابات أسرانا وآلامهم في الزنازين، أصعب وأخطر، وأشد إيلاماً من الجوع، والمتاعب، والآلام.
وإنّها لثورة حتى النصر
قيادة حركة "فتح" لبنان
21-9-2019
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها