يامن نوباني
فتح الطفل تامر السلطان عينيه، في بداية حياته على المتاريس والإطارات المشتعلة ورشق الحجارة وملاحقة جيبات الاحتلال أو الفرار منها ومن رصاص الجنود وغازهم السام في طرقات وشوارع قطاع غزة، فجاءت سنة ولادته مناسبة تماما لتشكل وعيا وطنيا وكرامة وتحررا.
كبر تامر على رفض الإهانة، وعدم الرضا بحياة لا يكون فيها للإنسان صرخته وحقوقه، ودفع من شبابه وصحته وهداة بال أسرته وخصوصا أطفاله الكثير، وحين يئس من مقارعة الظلم، خرج ليلاً ليبحث عن ضوئه الخاص، ليعيد الأمل لحياة وجسد أنهكتهما العتمة.
ولد تامر في 6/5/1981، ورحل غريبا مضطهدا في الساعة الخامسة وست دقائق من فجر 17-8-2019 في مستشفى بمدينة بيهاتش في البوسنة والهرسك، والتي وصلها مصابا بحمى وضعف وإنهاك وتغيرات في الجلد، وبعد فحصه تبين أنه يعاني من نزيف جرح في ذراعه الأيسر وجدار البطن، ثم فحص مجددا من قبل متخصصين ليتبين أنه مصاب بسرطان دم نخاعي حاد.
تامر الناشط الشبابي أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، المهتم بنقل الخبر والصورة والذكريات الوطنية، والشهداء، والحروب التي لا تتوقف على القطاع، وضد الدولار والأموال التي تدخل ايريز مباشرة إلى جيوب تجار ومنتفعي ومتسلقي القضية.
نشطاء ومثقفون وكتاب من القطاع، تضامنوا بحرقة مع تامر السلطان، وكتبوا عن رحيله وعلاقتهم به والتي كانت في معظمها خلال فترات سجنه من قبل أمن حماس في غزة.
الناشط كريم أبو الروس: رحل تامر السلطان إلى الرفيق الأعلى أثناء محاولته الهجرة إلى أوروباً "هارباً" من غزة وبطشها وبطش حكامها وقمعهم.
تامر السلطان سُجن في سجون حماس إبان حراك "بدنا نعيش" ولكنه حاول البحث عن مكان يحفظ له كرامته الإنسانية ولكن المحاولة لم تنجح. في غزة يوجد 2 مليون تامر، غزة أصبحت كلها مشاريع هجرة بسبب "إمارة حماس".
أما محمد أبو القمبز، فكتب: الدكتور تامر السلطان الأب لثلاثة أولاد هو شهيد :شهيد لقمة العيش، شهيد البحث عن الكرامة والحياة الكريمة، شهيد الهروب من الظلم وبطش الميليشيات ، شهيد التعبير عن الرأي وقول الحق، شهيد رحلة الموت "الهجرة .
ويضيف: تعرفت على تامر السلطان قبل 4 سنوات في ساحة السرايا في فعالية لحركة فتح وبدأت العلاقة بعدها، ولكن تعرفت عليه أكثر وعاشرته وعرفت كم هو طيب وغلبان في سجون الأمن الداخلي " قصر الحاكم!" .
بتنا أنا وأمين عبد في زنزانة انفرادية على نفس الفرشة وتغطينا بنفس الحرام. كانت روحه الحلوه والجميلة تهوِّن علينا الظلم، كان مثالا للشاب الملتزم وكان مثالا للشاب الخلوق المثقف الطيب الجميل الإنسان، مثال للمناضل الغيور على حركة فتح، صنديد يعرف أن يقول لا !قتلوك حين أرهبوك، قتلوك حين اعتقلوك، قتلوك حين أبعدوك قسرا عن أطفالك الثلاثة. يا وجعنا على فراقك، يا ضعفنا أمام جبروتهم، يا وحدنا بهذه البلد الظالمة ...
أما عامر بعلوشة: كنت أميّز تامر من حذائه، حين كانت العصبة تلف أعيننا، والكلبشات تضيق بأيدينا
والتعب ينهش كل جزء من اجسادنا.
تامر البسيط الطيب، الانسان الوطني فقط، بلا أي اضافات، أو أقنعة. الصيدلي الاعلامي الناشط والمناضل، عشرة أيام عشناها سوية في المعتقل، كانت وسيلة التواصل بيننا، نظرة مسروقة من تحت اللثام، أو مداعبة على كتفه حين نُساق من الباص الى الانفرادي، ومن الانفرادي للتحقيق الذي لا ينتهي.
حزين من كل قلبي يا تامر، لم نلتق خارجا، ولم يأتِ يوما نكتب فيه بلا قيود، ونصرخ بلا أي مداهمات، ونفكر بالمستقبل، بلا قلق من اختطاف عابر، او شبح متواصل بلا نوم!
خمسة أيام في زنزانة مع تامر، كان كل حديثه عن وسام وفتحي وميرا وشوقه لهم، وابصر شو عاملين الآن.
اما أمين عابد، فكتب: عارفين ليش تامر هاجر ومات غريب بلاد؟ لأنه اعتقل في آخر شهر 12 وكانوا يشلحونه الجزء الأعلى من ملابسه ويديروا عليه ميه ويرموه في زنزانة حقيرة وأكثر واحد كان ينضرب. ولأنه تحول من 31/12 ليوم 7/1/2019 لغزة وظل قاعد من الـ8 الصبح لـ 8:30 في الليل على كرسي حقير في شيء اسمه باص ممنوع تحكي مع حالك فيه.
وأضاف: لأنه اعتقل في شهر 2 مرة أخرى لمدة 5 أيام في باص كبير فيه ما فيه من الألم والظلم، فجأة بكى تامر شوقا لأولاده فأبكى الجميع إلا السجان الذي سخر من كل من بكى يومها ووبخ المشتاق أبو وسام بأقذر العبارات. ثم في نفس الشهر أعتقل تامر مرة أخرى على خلفية نشره صور لجسده المعذب وأعتقل أخيه. وفي حراك #بدنا_نعيش اعتقل تامر مرة أخرى 10 أيام، خرج تامر كارها لكل شيء؛ فقرر الرحيل، رغم تعلقه الشديد العجيب بأولاده، لكنه لم يحتمل شدة الظلم الذي وقع عليه.
هاجر تامر فهاتفني ونصحني بالرحيل وبكينا من الألم. مات تامر غريبا طريدا وأحرق قلبي الذي لم يعد يحتمل المزيد.... تامر الرجل العنيد الصنديد طيب القلب الوديع مرهف الإحساس، جمل المحامل، رفيق الزنازين.
أما الكاتب محمود جودة، فكتب: اكتبوا اسم تامر السلطان على حيطان المخيمات، وفي الأزقة، أكتبوه على جدران مراكز التوقيف، والمساجد والكنائس، وعلى أبواب المنازل. أكتبوه في بيوتكم، سموه لأطفالكم، شيدوا باسمه الميادين، حاصروا باسمه كل من سجن وعذب وامر بالاعتقال، ومن صمت عنه .. حاصروهم جميعًا باسم تامر السلطان، اجعلوا أثر جريمتهم حيّة إلى الأبد، عاقبوهم باسم تامر وتعبه وشوق أطفاله له .. حاصروهم بدم تامر وصورته.، اسجنوهم في ثوب الخطيئة إلى الأبد، وعندما يوقفك رجل الأمن في غزة ويسالك عن اسمك، قل له: اسمي تامر السلطان.
وأضاف: الدماء تغلي في رأسي، أعصر ما تبقى من ذاكرتي كي أستحضر الصورة الأولى للفقيد الصيدلي تامر السلطان عندما التقيته أول مرة فلا أستطيع.
خمس دقائق وأنا أنظر في وجه الفقيد أحاول التذكر فلا أستطيع، لقد جالسته وتحدثت معه، كان لطيفًا هادئًا، حساسا جدًا.
تامر السلطان، مات قبل أيام وهو في طريق هجرته من غزة بعدما فقد الأمل، يقال أنه أجهد ونزف منه الدم وهو يمشي خائفًا والبرد يقرض أطرافه الراجفة في غابات القلق حتى أُنهك الجسد.
تامر السلطان، من الناس الذين عاشوا بالإحساس والجمال والرهافة، اعتقل في سجون الأمن في غزة في حراك مطلبي معيشي، حراك قال الأمن أنه ضد المقاومة والكرامة .. أُهين تامر في المعتقل، جُرح في كرامته، فانطفأت روحه تمامًا، الآن روح تامر تحررت، وتحوّلت إلى بصمة بأصابع خمسة ستبصم فوق جباه من اعتقله وأهانه، وأغلق باب السجن عليه، وباب الأمل .. أيها السجان تامر مات بنزيف الدم، والتعب والحُمى، والإنهاك، وربما جاور نزيف دمه إثر لطمة منك، لا يهم سبب الموت الآن، نزيف كان أو حُمّى، وإنهاك، الأهم أنّ دافع الهجرة معلوم، وأنّ تامر ترك خلفه زوجة، وثلاثة قلوب صغيرة ستعيش بلا أب، بلا أب .. بلا أب .. بلا أب مكررة حتى الأبد .. ستعيش القلوب الثلاثة بلا أب وذكريات أنت فيها قاتل .. فكيف حالك الآن؟! وكيف حالك وقتما تجتمع عند الله الخصوم؟!
وكتب ابراهيم أبو طعيمه: تعرفت على تامر السلطان قبل 5سنوات، في اجتماع لمفوضية الاسرى والمحررين من أجل تحضيرات وقفة يوم الاسير الفلسطيني 17 نيسان . يومها فتح تامر موضوع شهداء مقابر الارقام وكان صاحب فكرة عمل توابيت خشبية تحمل أسماء شهداء مقابر الأرقام، والطوف بها في شوارع القطاع، وبالفعل تجمعنا في يوم الاسير وتوجهنا للجندي من ثم للصليب حاملين توابيت شهداء مقبرة الارقام على اكتافنا .
بدوره كتب عزيز المصري: حياة قذرة لا عدل فيها .. لروح تامر السلطان الرحمة والسلام ولعنة الله على كل من هجر شبابنا وجعلهم عرضة للموت والغرق في البحار وخطر الموت في الغابات والحشرات السامة بحثا عن الأمن ولقمة العيش ..
بدوره، كتب الاعلامي عماد الأصفر: كانت الناس تموت في سبيل العودة إلى غزة، صارت تموت في سبيل الهجرة عنها، تامر السلطان شهيد الغربة الجديد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها