من الكتب الرائجة قديمًا كان كتيب قراءة الكف، وكيف تكسب الأصدقاء؟ وتعلم أو تكلم الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية في ٥أيام أو 7 أيام! أو عشرة أيام!
ولا أظنّ أن هذه الأيام الخمسة أو العشرة كانت تكفي أبدًا، ولكنها سِمة تسويق كما الحال اليوم عندما يقول لك مسحوق الغسيل أنه الأنصع بياضًا أو تقول لك دعاية الصابون أنها 100% أو بتواضع ترويجي 99% تقضي على الجراثيم!
أو بمثل بطاقات الأسعار على المبيعات إذ بدلاً أن تقول لك ادفع 40 ريالاً مثلاً تقول 39,9 ريال ولا تدري أين تذهب الكسور!
ومن الكتب الرائجة قديمًا أو الشعبية لنقل ما قبل الكتب الإلكترونية، وما قبل انفضاض كثير من الناس عن الورق للأسف، كانت روايات نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس وعبّاس محمود العقاد وجبرا إبراهيم جبرا وسحر خليفة، وكتابات وأشعار نزار القباني ومحمود درويش والأخطل الصغير وغادة السمان، وروايات عبير، وكتب أغاثا كريستي في الجريمة الغامضة والتي مازالت صالحة حتى اليوم وتفترش الأرصفة في بعض مدننا حتى اليوم، مع روايات تولستوي وهوغو وماركيز وستيفن كنغ وغيرهم.
ومن الكتب الرائجة أيضا كان كتيب: كيف تكتب رسالة؟ سواء رسمية أو لصديق أو لحبيب، وهذا ما أرغب الإضاءة عليه، ففي مثل هذا الكتاب أو الكتيب الصغير كانت مجموعة من الصيغ واللوازم سواء في مفتتح الرسالة أو ختامها وكأنها مقرر من مثل: عزيزي أو عزيزتي والمخلص والمحب، وتقبّلوا فائق التقدير، ومن مثل أما بعد، ومثل نحن بخير طمئنونا عن صحتكم!
ورغم إحساسي من هذه الكتب الصغيرة -الرائجة ذاك الزمان- بجمود العبارات أو تكرارها أو ترجمتها الركيكة التي تفقدها الحميمية أو النزعة الشخصية الخاصة بين المتراسلين إلا أنها بالحقيقة مثلت مساحة تعليم للمبتدئين (يوجد شبيه لها على الشابكة إلكترونيا اليوم).
وتمثّل مقداحًا لزناد الفكر والقلم لا تقارن بالزَبَد (بالعامية: الكلام الفارغ) الذي تمتلئ فيه كثير من صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
والتي –أي هذه الصفحات- تعج بالقص واللزق، أو النقل دون تبصر بمعنى أنها بلا منطقية أوبلا مرجعية علمية أو إعلامية موثقة إن كان المكتوب له هذه الصفة
أو بلا أي أساس من أسس الاتصالات من حوار ونقاش واختلاف، أو كتابة المنشورات أو التعليقات أو الملاحظات أو الرسائل تلك الفنية أو البنائية أو التنسيقية أو اللغوية وهي أحد الطامات الكبرى.
ما ذكرني بكتيب كيف تكتب رسالة على ضعف مكوناته ولغته وترجمته إلا أنه حين قليل من النظر على نزيف منشورات حوائط "فيسبوك" وأمثاله اليوم يجعلك تتمنى أن يتواضع الكثيرون ويقبلون على مثل هذا الكتيب التعليمي أو الدليل في التخاطب والتراسل والتواصل على وسائل التواصل الاجتماعي (ومثله موجود بقليل من البحث في محرك الحاج غوغل، وكذلك الحال فيما يتصل بالاتصالات بأنواعها الشفوية والكتابية، والمهارات اللينة المطلوبة للجميع مقابل المهارات الصلبة) فنقتصد حيث وجب، ونتعامل بخصوصية حيث يجب، ولا ننشر بلا تبصّر .
والى ما سبق لا نقع في وهم أننا كُتاب أو أدباء أو شعراء أو نُقّاد أو علماء ! ونحن لم ننهل من أي من العلوم المعنية مطلقًا!
فمن لا يتعلم ولا يستمر بالتعلم طوال حياته فيطور ذاته ويهذب ذوقه ويشذّب خطه ويقوّم اعوجاج قلمه، ويُحسِن مخارج عباراته وتدفقات مشاعره، فيقرأ كثيرا قراءة رأسية عميقة، فهو بحاجة بالحد الأدنى لمثل تلك الكتب-أو ما تطور اليوم عنها على الشابكة-قبل أن يخط بقلمه أو بلمسة إصبعه على الجوال، ويظن أنه بمقام العقاد أو شوقي أو قاسم أمين، أو زكي جمعة! سيقول أحدهم كما قال عادل إمام في مدرسة المشاغبين: مين زكي جمعة؟ ويضيف: ومن هم أصلا المذكورين الآخرين في ثنايا المقال؟!