لا أريد أن أغرق في تحليلات بخصوص قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان الخاص بالعمالة غير اللبنانية وشمل به الفلسطينيين، ولماذا هذا القرار الآن، لأني لا اريد لأية استنتاجات أن تعفي صاحبها من التعمق أكثر في المشكلة. في لبنان أحيانا العمى الطائفي، والمزايدات المحلية تقود إلى مواقف وقرارات متسرعة وغير مدروسة بعناية، وأنا سأكون حسن النية واضع قرار أبو سليمان في هذا الإطار.
لو كنت في بيروت أو لي اتصال مع وزير العمل، لنصحته أن يقرأ مقال نشره قبل عدة سنوات طلال سلمان في جريدة السفير، التي فطر قلبي قرار إغلاقها قبل عام، طلال حاول في مقاله أن يغير النظرة النمطية، التي مع الأسف تنظر بدونية أو حتى بعنصرية للاجئ الفلسطيني في لبنان. وهنا أيضا لست بوارد تحليل الأسباب القديم منها والجديد.
قال سلمان للبنانيين إن للفلسطينيين الفضل في كل ما أنتم فيه، اقتصاد ثقافته سياحة. عندما شرد الفلسطينيون من وطنهم عام 1948 كان من بين من وصلوا إلى لبنان أثرياء أحضروا معهم اكثر من 15 مليون جنيه استرليني اَي ما يعادل 15 مليارا اليوم.
لو كنت مكان وزير العمل اللبناني لترويت ودرست قراري كي لا يبدو انه يعمل على وقع صفقة القرن، فالعمالة الفلسطينية في لبنان هي جزء من عجلة الاقتصاد اللبناني وهي تختلف عن أي عمالة وافدة للبنان، لأنها ما زالت لا تستطيع العودة إلى وطنها منذ أكثر من سبعين عاما، والسبب هو الاحتلال الاسرائيلي طبعا وعجز المجتمع الدولي حتى الآن عن تحقيق الحل العادل لقضيتهم.
الأمر الذي يبدو أنه غير إنساني أبداً أن القرار يفاقم مأساة الفلسطينيين بل ويسحقهم سحقا، خصوصا اذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفلسطيني محروم أصلا من ممارسة اكثر من 70 مهنة من بينها الطب والهندسة والقانون.
الغريب أيضا أن قرار وزير العمل قد جاء خارج سياق صفحة العلاقة الفلسطينية اللبنانية التي فتحها الرئيس محمود عباس منذ العام 2004 على أساس الثقة المتبادلة وعدم التدخل نهائيا بالشؤون الداخلية للبنان، والتنسيق على كل الأصعدة وحل كل المشاكل بالحوار الأخوي. المس بالعمالة الفلسطينية في هذه المرحلة هو نسف للبناء الإيجابي الذي تم في العلاقات الثنائية، ولا يمس بالفلسطينيين وحدهم إنما يمس بالاقتصاد اللبناني وأمن واستقرار البلد، فالقرار كأنه يريد رمي الفلسطينيين في حضن الإرهاب والمنظمات الإرهابية المتربصة بهم داخل المخيمات وخارجها، وهم الذين من أشد المحاربين للإرهاب والمناهضين له، ولا ننسى هنا البطل الفلسطيني صابر مراد دلالة هذه الحقيقة وواقعيتها.
ألا يكفي الفلسطيني مطرقة تشرده وبؤسه ومطرقة بطالته وحرمان من فرص العمل، الفلسطينيون في لبنان فوق الطائفية وهم خارج كل صراعاتها وخارج اللعبة الداخلية، كل ما يريده الفلسطيني أن يكون عاملا إيجابيا في تنمية واستقرار لبنان حتى تحين لحظة عودته إلى وطنه فلسطين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها