الدولةُ هي التجسيدُ العمليُّ للاستقلالِ الوطنيّ، وهي الإطارُ الذي يتطوّرُ ضمنَهُ الشعبُ، فسلطةُ الدولةِ المعاصرةِ تتجاوزُ مجرّدَ ممارسةِ السيادةِ والدفاعِ عنها، حيثُ أصبحَت مهمّةُ التأطيرِ الثقافيّّ للمواطنينَ إحدى أهمّ أدواتِ تشكيلِ الشعبِ كوحدةٍ متكاملةٍ متمايزةٍ عن جيرانِها، ولعلَّ المؤسسةَ التعليميةَ هي التي ترسِمُ حدودَ الدولةِ أكثرَ من الجيوشِ وحرسِ الحدود، لأنّ خضوعَ سكانِ الدولةِ لمنظومةٍ ثقافيةٍ وتعليميّةٍ واحدةٍ يسرّعُ من عمليةِ بلورةِ الشخصيةِ الوطنيةِ للشعبِ ضمنَ إطارِ الدولةِ الواحدة.
من هنا تأتي أهميةُ تتويجِ مرحلةِ التحرّرِ الوطني بالحصولِ على الاستقلالِ ضمنَ سيادةِ الدولةِ لتكونَ راعيةً لعمليةِ تشكيلِ الوعيِ الثقافيّ وتعزيزِ الشخصيّةِ الوطنيةِ التي تتبلورُ أهمُّ معالمِها في مرحلةِ التحرّرِ الوطنيّ -أي قبلَ إنجازِ الاستقلالِ- عبرَ توحيدِ الجُهدِ نحو تحقيقِ الأهدافِ المشتركة للقوى المشاركةِ في هذه المرحلة.
تختلفُ الحالةُ الفلسطينيةُ عن كلّ ما سبقَها من تجاربِ الشعوبِ الأخرى التي أنهتْ مرحلةَ التحررِ بإقامة الدولة المستقلةِ وتفرّغت لبنائها وتطويرِها. فالعدوّ الذي نواجههُ يتجاوزُ خطرُهُ السيطرةَ على مواردِ الوطنِ ليصلَ إلى توطينِ مجموعاتٍ بشريةٍ غريبةٍ وطردِ أصحابِ البلادِ الشرعيينَ ونفيِهم خارجَ حدودِ وطنِهم.
لا حاجةَ للقولِ أنّ استمرارَ وجودِ أكثرَ من نصفِ شعبِنا خارجَ الوطنِ في بلدانِ اللجوءِ المختلفةِ كان من الممكنِ أن يكونَ واحدًا من العواملِ الكفيلةِ بخلخلةِ الروابطِ المشكّلةِ للشخصيةِ الوطنية الفلسطينية.
من هنا تنبعُ أهميّة التمسّكِ بالأهدافِ المشتركةِ في العودةِ والحريةِ والاستقلالِ الوطنيّ كنقيضٍ لعواملِ اندثارِ تلكَ الشخصيةِ وذوبانها في متاهاتِ المنافي وإغراءاتها.
هذا هو الدورُ المحوريُّ الذي قامت به منظمةُ التحريرِ الفلسطينيةُ وفصائلُها المسلحةُ وعلى رأسِها حركةُ "فتح"، ولا نبالغُ حين نقولُ أنّ المنظمةَ قامت بدورِ الدولةِ المعاصرةِ في تنميةِ الوعيِ بالانتماءِ إلى شعبٍ واحدٍ رغمَ انعدامِ الممارسةِ الفعليةِ للسلطةِ ضمنَ حدودِ إقليمٍ له حدودهُ الواضحة.
لا بديلَ عن الحفاظِ على المنظمةِ وتطوير أدائها وتعزيزِ مؤسساتِها لتستمرَّ في مواصلةِ دورِها كحاميةٍ للشخصيةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ حتى يتمكّنَ شعبُنا من إنجازِ مشروعهِ الوطنيّ والانتقالِ إلى مرحلةِ الدولةِ المستقلةِ بما تمثلهُ من ضمانةٍ لممارسةِ شعبِنا لسيادتهِ في وطنهِ ولمساهمتهِ في مسيرةِ الحضارةِ الإنسانية.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها