في عصرِ الفضائياتِ ووسائلِ التواصُلِ الاجتماعيِّ وعَولَمةِ المعلوماتِ والأفكارِ أسوةً بالبضائعِ والخدماتِ، وفي ظلِّ تراجعِ دَورِ الإعلامِ الرسميِّ كمَصدرٍ رئيسيٍّ ووحيدٍ للحصولِ على الخبرِ والمعلومةِ، وفي الوقتِ الذي أصبحَ بإمكانِ أيِّ شخصٍ أنْ يُروّجَ لما يشاءُ منْ قضايا ويذمَّ أو ينتقِدَ كلَّ ما يحيطُ بهِ دونَ رقابةٍ أو حتى دونَ أن يضطرَّ للكشفِ عن هويّتِهِ الحقيقيةِ.. أمامَ كلِّ ذلكَ يُصبحُ التمييزُ بينَ الخبرِ الحقيقيِّ والإشاعةِ المغرضةِ أمراً غايةً في الصعوبةِ، وتتضاعفُ المهامُّ التي يجبُ على حركةِ فتح وإعلامِها القيامُ بها من أجلِ استمرارِ التواصلِ مع جمهورِها وتزويدِهِ بما يحتاجُ من معلوماتٍ ليبقى محافظاً على ثقتهِ بالحركةِ ومستعداً لتبنّي خطِّها النضاليّ ورؤيتِها السياسيّة.
من هنا تتضحُ أهميةُ الإعلامِ اليوميّ المواظِبِ على نقلِ مواقفِ الحركةِ وتغطيةِ نشاطاتِها وفعالياتِها بشكلٍ مُنتظمٍ صادرٍ من جهةٍ محَددةٍ يستطيعُ المواطنُ أنْ يثقَ بمصداقيّتها وبالتالي يمكنُهُ التعاملُ مع ما يصلُهُ من خلالِها كموقفٍ رسميٍّ للحركةِ لا كاجتهادٍ فرديٍّ. نعلمُ أنَّ الصمتَ أفضلُ بالنتيجةِ من تعدّدِ المصادرِ وتعارضِها وبالتالي نقلِها لصورةٍ زائفةٍ للحركةِ ومواقفِها، من هنا تنبعُ أهميّةُ المصدرِ الواحدِ. ونعني بالمصدرِ هنا المؤسّسةَ لا أفراداً بعينِهم، فالناطقونَ الإعلاميونَ رغمَ تعدّدِهم يمثّلونَ مؤسسةً فرضتْ نفسَها ويجبُ تطويرُ أدائها من خلالِ التنسيقِ والتشاورِ اليوميّ قبلَ الخروجِ بأيّ موقفٍ إعلاميّ. هكذا تعملُ الأحزابُ والقوى السياسيةُ في العالمِ، ونحنُ في فتح لسنا استثناءً، بل نحنُ الأولى والأجدرُ بتطويرِ وتوحيدِ رسالتِنا.
لا علاقةَ للإعلامِ الملتزِمِ بالدعايةِ والترويجِ لحركةٍ أو حزبٍ أو مؤسسةٍ، ومع إصرارِ بعضِ الذين يدّعونَ انهم "خبراء" في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ أنَّ كلَّ شيء خاضعٌ للتسويقِ والتعاملِ معهُ كبضاعةٍ أو منتَجٍ استهلاكيّ، إلا أنّ الحركةَ السياسيةَ التي تحترمُ تاريخَها وأهدافَها وجمهورَها وشعبَها لا يمكنُها اللجوءُ إلى الدعايةِ كوسيلةٍ لكسبِ الرأي العام، ولأنّ فتح حركةٌ سياسيّةٌ ملتزمةٌ ببرنامجٍ وطنيٍّ محدّدٍ فإنها تتركُ الدعايةَ جانِباً وتكتفي بصناعةِ الحدَثِ كأفضلِ وسيلةٍ لنشرِ فكرِها وتقديمِ صورتِها الحقيقيةِ لشعبِها.
بالعودةِ إلى ما بدأنا به: قناعتُنا برفضِ اللجوءِ إلى الدعايةِ لا يعني أنْ نغضَّ الطرْفَ عن ما تعجُّ بهِ وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ من تضليلٍ متعمّدٍ وتشويهٍ لصورةِ الحركةِ وتزييفٍ لمواقفِها واختلاقٍ لتصريحاتٍ أو رسائلَ داخليةٍ لا أساسَ لها من الصحةِ ولا هدفَ من ورائها غيرَ الإساءةِ إلى الحركةِ. في هذا الجانبِ يكتسبُ الوعيُ والحصانةُ النضاليةُ أهميّةً استثنائيةً، وتظهرُ جلياً أهميةُ المبادرةِ الفرديةِ المسلّحةِ بالثقةِ بالحركةِ وخطّها النضاليِّ والمستعدةِ لملاحقةِ الأخبارِ الكاذبةِ ودحضِها وإثباتِ كذبِها وعدمِ تركِ وسائل التواصلِ الاجتماعيِّ حِكْراً على خصومِ الحركةِ وأعدائها.
فتح تقودُ شعبَنا في وجهِ السياسةِ العدائيةِ للإدارةِ الأمريكيةِ التي تستهدفُ تقويضَ مشروعِنا الوطنيَّ، وهذهِ مهمّةٌ لا تقلُّ أهميّةً عن قيادةِ معركةِ بيروتَ أو قيادة الانتفاضتَيْن الأولى والثانيةَ. هذه الحقيقةُ لا بدَّ أن تصبحَ محورَ رسالتِنا الإعلاميّة.
الإعلامُ والدّعايةُ والتضليل
13-07-2019
مشاهدة: 289
د.خليل نزّال
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها