ما لفت نظري خلال الأسبوع الماضي أربعة أخبار لها مغزى واحد تقريبًا أنَّ الشعب الفلسطيني عصي على مشاريع الإلغاء والطمس. الخبر الأول استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وهو بالمناسبة مركز مستقل، فقد أظهر الاستطلاع أنَّ الشعب الفلسطيني بغالبيته الساحقة يرفض صفقة القرن وورشة كوشنير، وملتف حول موقف قيادته بهذا الشأن. وبالأرقام فإنَّ 80% من الشعب الفلسطيني ضد الورشة ويدعمون موقف القيادة والرئيس في مقاطعتها، وأنَّ 90% منهم لا يثقون بإدارة ترامب.
الخبر الثاني، وله علاقة بالأول، هو اعتراف كوشنير، الذي سرَّبته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، بأنَّ موقف القيادة الفلسطينية ورفضها حضور ورشته هو أدى إلى فشلها. والاعتراف الأهم، قول كوشنير بأنه بدون موافقة هذه القيادة لن يمر شيء. وهنا استذكر حديث الرئيس محمود عبّاس، وقبله ما كان يكرِّره الرئيس الشهيد أبو عمار أنَّه بدون قلم الشرعية الوطنية الفلسطينية، قلم منظمة التحرير الفلسطينية، وتوقيعها لن يمر شيء، واليوم لن تمر صفقة القرن بدون توقيع هذا القلم.
ويكرِّر الرئيس أبو مازن في كلِّ أحاديثه منذ أن بدأت إدارة ترامب حديثها عن صفقة القرن، "إنَّنا قد نبدو أضعف الحلقات في المنطقة، لكنَّنا أقوياء بإرادتنا الحرة وبقرارنا الوطني المستقل، فنحن مَن نملك الـ(لاء) والـ(نعم)".
الخبر الثالث، وسرَّبته هآرتس أيضًا، ويتعلَّق بمحاولات دولة الاحتلال، الدولة الصهيونية، إخفاء وسرقة الوثائق الإسرائيلية المتعلِّقة بنكبة عام 1948، وإخفاء الوثائق التي تتحدَّث تحديدًا عن المذابح، مذابح العصابات الصهيونية الإرهابية المسلَّحة بحق الشعب الفلسطيني، وسياسة التطهير العرقي التي نفَّذتها هذه العصابات بأوامر من بن غوريون نفسه. هذه المعلومات ليست جديدة بحد ذاتها، فقد تحدَّث عنها المؤرّخون الإسرائيليون الجدد، أمثال بني موريس وآلان بابيه وغيرهم. الجديد هو السرقة وتمزيق صفحات من الوثائق، صفحات من التاريخ، أي أنَّ هناك محاولة تزوير وإخفاء للحقيقة. ولماذا الاستغراب فنحن نذكر القانون الذي أقرَّه الكنيست الإسرائيلي قبل أقل من عام، والذي يمنع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر من إحياء ذكرى النكبة.
اعتقدت (إسرائيل) والاستعمار العالمي أنَّهم صفوا وجود فلسطين والشعب الفلسطيني عام 1948، لكنّ ظنَّهم خاب عندما عاد الشعب الفلسطيني للمعادلة في الشرق الأوسط مع ثورة عام 1965، التي أطلقتها فتح في حينه، ومع تأسيس منظمة التحرير في العام الذي سبقه. لو كانت مؤامرة الطمس والإلغاء هذه قد نجحت، لما كانت (إسرائيل) بحاجة لسرقة وإخفاء وثائق النكبة.
الخبر الرابع، زيارة الوفد الأمني المصري لكلٍّ من رام الله وغزة، والقيام بمحاولة أخرى لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة. بهذا الشأن وبعد أن أظهر الشعب الفلسطيني وحدته في مواجهة صفقة القرن وورشة كوشنير، وبعد أن أظهرت الفصائل وحدتها، فإنَّ الكرة اليوم في ملعب "حماس".. لماذا؟ لأنهَّا هي مَن قام بالانقلاب على الشرعية الوطنية في قطاع غزّة عام 2007، وهو الانقلاب الذي أدَّى إلى الانقسام. خلال لقائه مع إعلاميين فلسطينيين الأسبوع الفائت، أظهر الرئيس انفتاحًا ومرونة وصلت إلى أنَّه دعا إلى تشكيل قائمة فصائلية موحَّدة للانتخابات للاتفاق على النسب والمشاركة في القرار، هذا إذا تعذَّر إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة في الضفة وغزة والقدس، مؤكِّدًا أنَّ لا انتخابات بدون القدس.
الشعب قال كلمته، والفصائل قالت كلمتها بخصوص صفقة القرن، فما دمنا موحّدين في هذه اللحظة المصيرية فلماذا لا ننهي الانقسام ويعود القطاع إلى حضن الوحدة والشرعية الوطنية؟!