نحنُ الفلسطينيون في سنوات الانقسام أو الفتنة أو الانقلاب أو الحسم أو الانشطار وكلٌّ منّا يُسمِّيه حسب مفهومه، وبغض النظر عن هذه المسمّيات، تكبَّدنا خسائر جِسام لا تُعوَّض ولا تُقدَّر بثمن، تُعادل تقريبًا ثلث تضحياتنا في انتفاضتنا السابقة التي دامت سبع سنوات، ولحقت بنا خسائر اقتصادية فادحة طالت جميع فئات المجتمع الفلسطيني.
وجاءت الحرب الأخيرة لتُدمِّر جميع مقومات الحياة في قطاع غزة باستثناء إرادة هذا الشعب العظيم الذي يتوحَّد في الحروب. ومن هنا لابد من استخلاص العبر ورسم خريطة هذا الوطن التي نقشت بحروف من ذهب وبالدم والنار، وهذا يتطلَّب الوحدة. فالوحدة الوطنية وقصة التلاحم بين أبناء هذا المجتمع منذ أن وجد على هذه الأرض آباؤنا وأجدادنا وإلى يومنا هذا.
ويجب نشر المحبّة بين الناس إلّا أنه بعد كل هذه السنوات الطوال العجاف لم تستيقظ هذه النخبة من سباتها العميق ووضع مصلحة الوطن بالدرجة الأولى وفوق المصالح الشخصية، فما زال الوطن تظلمه الجغرافيا ويبكيه التاريخ فتبدو هناك أيادٍ تكره الوطن وتحقد علي التاريخ، فبعد الانتصارات السياسية والميدانية عاد موّال الوطن الذي فرَّقته السياسة كما تفرّق الذئاب قطعان الأغنام الجائعة فهناك أشخاص يتحدثون عن الوحدة ويتمنون أن لا تتحقق لأنهم لا زالوا غير مبالين لإرادة هذا الشعب فلا يعلمون بأن الشعب هو من يولد الانتصار فالرجولة مرتبطة بالصدق في الفعل والقول والتطبيق ومرتبطة بالشهامة والنخوة والمبادئ.
والرجولة هي من صفات العرب الأصيلة لأنّنا دائمًا نسمع عبارة الوطن للجميع، هذا ما ينطق به كافة قيادات الوطن ولكن، كيف يمكن لجملة اسمية أن تتحول إلى فعل؟
الجواب: بالعمل لا بالقول سيكون الوطن للجميع إذا عرف كل مواطن أن الوطن هوية لا وظيفة.
سيكون الوطن للجميع بالوعي الذي يوازن بين الحقوق والواجبات دون تقديم لأي منهما على الأخرى، فلا أحد يساوم على خريطة وطنه.
الوطن خريطة قلب وسيكون الوطن للجميع حين نشعر على الدوام أنَّ الوطن هو المكان للأفضل وأن الوطن جسد واحد لا مكان فيه – لأظافر تستحق التقليم، أو شعر نابت يمكن أن تزيله أمواس الحلاقة. سيكون الوطن للجميع حين يشعر كل فرد في الوطن أنه ما كان ولن يكون عضواً زائداً عن الحاجة أو مجرد خلية تصلح للتبرع، أو يكون الوطن جمعية تعاونية أو شركة خاصة.
سيكون الوطن للجميع حين يشعر المواطن أنّ الفرصة السانحة أمامه لن يحجبها سور من الإقصاء أو التصنيف أو بوابة لا يدخلها إلا بمواصفات من لون العيون وفصيلة الدم سيكون الوطن للجميع حين نشعر جميعاً أن خريطة هذا الوطن كانت رسالة وحدة وتوحيد وحين نشعر جميعاً أننا نعيش على ذات الخريطة الوطنية جسداً وفرصًا ومجالاً متاحًا مفتوحًا أمام الجميع في سباق تحكمه قواعد التأهيل لا قاعدة – الكانتون – الحزبي أو الأيدلوجي أو المناطقي هذه صفات لا تنطبق عليها عظمة يوم الوحدة.
سيكون الوطن للجميع حين يكون كل مكتب على هذه الأرض خريطة وطن تتناثر فوقها نجوم الأسماء من كل حدب وصوب وتعمل فيها كواكب الضياء من كل مجرّة سيكون الوطن للجميع عندما يكون السفير من غزة والوزير من الضفة والملحق الثقافي من خان يونس ووكيل الوزارة من دير البلح ورئيس الجامعة من عبسان ورئيس القضاء من البريج، والنائب العام من أريحا ونائب من النصيرات والمفتي من القدس ووزير الأوقاف من رفح والجندي من غزة وشقيقة في جنين وابنه من طولكرم وابن أخيه في المغازي وكل هؤلاء بدون توصيات وتم تعينهم بلا شلالايات (محسوبيات).
سيكون الوطن للجميع عندما ينتشر بيننا الإيمان بقيم هذا الوطن وبقمته وقاماته وثوابته وعندما نؤمن يقينًا أن كل من يحمل بطاقة الهوية الوطنية شريك في التفاصيل والخريطة والقرار والفرصة والحقوق والواجبات والمسؤولية وبالتالي عندما نعود للخريطة و نعود للجغرافيا و نعود للمبادئ الوطنية الحقة الكل له حق في الوطن وحق الوطن علينا أن نكون قوة واحدة ندافع عن ترابه العظيم آن الأوان للتوقف عن المناكفات والعبارات التي تثير الضغينة والحقد، فما أخطر من الكلمة والفتوى التي تصدر في خمس دقائق لتعطل الأمة خمسة قرون.
فليس من أجل الشعب توحّدوا، إنّما من أجل أرواح شهدائنا الأكرم منّا جميعًا، وعلى رأسهم الشهيد الرمز أبو عمار وأبو جهاد الوزير والشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى، لأنَّنا تأخرنا كثيرًا بهذه الوحدة فكيف لنا أن نطلب من العالم أن يساعدنا ونحن لم نساعد أنفسنا.
أولادنا وأجيال هذا الوطن في خطر وتذكّروا يومًا أنَّنا كُنا إخوة اختلافنا فكانت النتيجة أن هدمنا بيتنا فوق رؤوسنا وبأيدينا.