الوزير السابق في "حماس" بدلاً من أن ينتقد نفسه ويراجع ثغرات فصيله وخطاياه الكبرى باستباحة الدم الفلسطيني، وبدلاً من مراجعة محطّات فشله السياسي وتساوقاته مع الغرباء، وابتعاده عن الناس إلى الدرجة التي لجأ فيها للعصا الغليظة والضرب والتكسير، وبدلاً من الحوار بالحب والاستجابة لطلبات الجماهير، وبدلاً من أن يلوم تنظيمه السياسي على استبداله القضية الوطنية لحساب القضايا الجزئية المطلبية، وبدلاً من أن يبحث في أسباب ابتعاد الطلّاب الواعين عنه ما أدى إلى خسارته المدوية في انتخابات جامعة الخليل يتوجّه بفعل عجيب وهو أن ينتقد طلاب الجامعة عامّةً! وخاصة طلبة كلية الشريعة! ويتّهمهم بما يعيب، ويتّهم إلى ذلك الطلاب ثُمَّ المجتمع ككل؟!

يحاول الوزير السابق من "حماس" إسقاط مفاهيمه الفكرية التي لا نعترف بها لبعض المصطلحات علينا، دلالة عدم الرغبة بالتنور أو التطور، وهذا شأنه.

يتوجّه الوزير السابق تخصيصًا إلى الطلاب في كلية الشريعة في جامعة الخليل التي يفترض أنّها حصنه الحصين هو وفصيله! وعلى اعتبار تمثيله الحصري للإسلام دوناً عن مسلمي فلسطين والخليل!

الطلبة لأنّهم لم ينتخبوا فصيل "حماس" متهمون بدينهم ووطنيّتهم وأخلاقهم، من قِبَل السيد الوزير السابق في حكومة هنية! وهذا كارثة كما أسماها! وهُم وحركة التحرير الوطني الفلسطيني- "فتح" علمانيون! في تلميح منه إلى أنَّهم كُفّار طبعًا كما هو مدلول المصطلح في التعبئة الداخلية لـ"الإخوان المسلمين" و"حماس"، ما يدلِّل على ذات الفكر الإقصائي (أن مَن لا يؤمن كما يؤمن بفكره هو فهو كارثة)! وهذا غير مقبول منّا أن يتم التفكير بهذه الطريقة.

أمّا قول الوزير السابق المذكور لحركة "فتح" أنها "علمانية" وتُنكِر! أو أنّها لا تريد دولة إسلامية! مُهدّدًا بإسكات المخالف فهذا أسلوب تهديدي -متفق مع التصرفات في غزة- يضع الناس أمام أبيض أو أسود!

نقول للأخ المذكور بكل المحبّة والاحترام له، وبالمخالفة لرأيه إنّ حركة "فتح" لا تؤمن بما تؤمن به أنتَ، أي أبيض أو أسود، ولا تؤمن بتعريفك أصلاً سواء للوطنية أو الديمقراطية أو الاجتماعية (الاشتراكية) أو العلمانية أو القومية، والتي كلّها في أدبيات "الإخوان المسلمين" مدانة ككفر أو قريب منه، فلا تضع فكرك مقياسًا ولا تضع تعريفك أنتَ لأي من المفاهيم السابقة حَكَمًا، فنحنُ لا نعترف أصلاً بتعريفاتك أو تعريفات "الإخوان المسلمين" لأيّ منها مطلقًا، وهذا معنى الفكر الحر.

العلمانية الإسلامية

نعود للعلمانية التي ذكرها مُلمِحا بقوة أنها نقيض الإسلامية (الإسلام) كالعادة، والتي -أي مصطلح العلمانية-لها من التعريفات العشرات، وهي ممّا يقبلها عديد المفكّرين الإسلاميين أنفسهم، أمثال عبدالوهاب المسيري وراشد الغنوشي ورجب طيب أردوغان وخالد الحسن الخ بتعريفاتهم المختلفة عن الفهم السائد في التعبئة الداخلية لـ"لإخوان المسلمين" ويرفضها الآخرون.

نقول للسيد الوزير السابق يمكنك الرجوع لهؤلاء وغيرهم، بالقبول أو الرفض لآرائهم فهذا شأنك، ونحن لا نقبل رأيك الأوحدي ولا تعريفاتك وهذا شأننا.

ولك العودة لرجب طيب أردوغان أبرز قيادات "الإخوان المسلمين" الذي قال لك ولإخوان مصر عام 2012 أنا مسلم أحكم دولة علمانية، هل سمعت؟ مضيفًا دولة يتساوى فيها المؤمن بدين وغير المؤمن بدين أي الملحد، وكلهم مواطنيون أمام القانون بلا طائفية أو قومية هكذا هو عرّفها، ولك أن تتفكر بتعريفك المختلف.

ويؤكّد أردوغان بالنص حسب رأيه: "أنّه لا تعارض بين الإسلام والعلمانية بمفهومها الحديث" مُضيفًا: "العلمانية الحديثة لا تتعارض مع الدين بل يجب عليها أن تتعايش معه".

ونقول أيضًا للسيد الوزير إنّ لك الرجوع لوثيقة "حماس" عام 2017 لترى في متن الوثيقة أوبين السطور ما لا تحب، حيث يقترب خالد مشعل في الوثيقة من مفهوم الدولة المدنية أو العلمانية أو الوطنية. فوثيقة "حماس" عام 2017 برأينا كما كتبنا سابقًا (تـُعرّف العلمانية من دون أن تسجّل اللفظة حرفيًّا (ولنقل المدنيّة) بالشكل التالي: أنّها الشراكة في القرار والوطن، وأنّ الدولة لكل مواطنيها بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو الطائفي، إلخ)

وتذكر الوثيقة بالنص أنَّ: (فلسطين الشراكة الحقيقية للفلسطينيين بكل انتماءاتهم) وتقول إنَّ: (الشعب الفلسطيني شعب واحد وبكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية)، وتقول إنّ: (دوائر الوطنية والإسلامية والإنسانية متكاملة متناغمة لا تعارض بينها)، وتقول إنّ "حماس" (تؤمن بالتعددية والديمقراطية والشراكة) وهذه هي العلمانية أو المدنية سمِّها ما شئتَ، سواء قبلتها أم رفضتها فهذا لك، وما هو ليس لك إسقاط تعريفاتك على الآخرين.

نحن مسلمون سواء كنّا في حركة "فتح" أو "حماس" أو الشعبية أو غيرها، ونقول إنّ التنظيمات السياسية النضالية هي ليست تنظيمات دعوية كما التنظيمات الاقتصادية أو الثقافية ليست دعوية، فلكلٍّ تخصّصه فالجماعات الدعوية/الدينية مخالفة كليّا للجماعات السياسية/الحزبية في هذا العصر.

وحسنًا فعل الشيخ د.راشد الغنوشي المفكر الإخواني المتطور حين فصل الدعوي الديني عن السياسي الحياتي بوضوح في المؤتمر العاشر لحزب النهضة في تونس عام 2016 ألك أن تعتبر منه فلا تتعامل مع الناس من منطلق مسلم وكافر؟ حسب تعريفاتك وطريقة فهمك التي لا نقرّها ولا تلزمنا، فالكل في دولة المواطنين سواء.

طلاب الشريعة منافقون!

المشكلة في منهج التفكير لدى الأخ الوزير الإخواني السابق هي نظرته للطلاب عامة، وفي كلية الشريعة خاصة، حيث افترض أنّ مَن لا يصوت "للإخوان المسلمين" (حماس هي الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين) فهو خطر على المجتمع والإسلام!؟ وكارثة!

انظروا كيف ينظر للطلاب! وكيف يُحلِّل عدم مبايعتهم "للإخوان المسلمين" وفق نظرته أنّهم حصريًّا الممثّلين بفكرهم وأيديولوجيتهم للإسلام! مع العِلم أنّ المحيط يمتلئ بالتنظيمات الإسلاموية أو غير الإسلاموية غير فصيل "حماس".

السيد الوزير الحمساوي السابق كما نُقِل في تعداده لأسباب تراجع "حماس" بكلية الشريعة في جامعة الخليل يفترض أنَّها لأحد 3 أسباب:

1). قد يكون السبب عند بعض (هؤلاء) أنّهم ليسوا مقتنعين بضرورة أن يكون الإسلام هو مرجعية المجتمع والنظام في الدولة)! وهذا الاحتمال جاء منه لأنهم لم يختاروا فصيله الذي فشل أن يكون ممثّلاً حصريًّا للإسلام لدى عامة المسلمين والطلاب، وفشل أن يكون ممثِّلاً حصريًّا للمقاومة، وفشل في تطبيق فكرة مساواة المواطنين والحُريّة والعدالة والمحبة في "إمارة" غزة فسقط سقوطًا مدويًّا، بينما فكر دولة العدالة في الإسلام هو المطبق في أوربا العلمانية، وغير مطبّق في تنظيم "حماس"، وكثير من دولنا الإسلامية.

في الوقت الذي تنص عليه الوثيقة الدستورية الفلسطينية بوضوح على الإسلام والعدالة ودولة المواطنين والقانون، ولا يحتاج مشروع الدستور الفلسطيني لمفاهيمه هو.

تقول المادة 5 في مشروع الدستور: (اللغة العربية هي اللغة الرسمية والإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين. وللمسيحية ولسائر الرسالات السماوية قدسيتها واحترامها. ويكفل الدستور للمواطنين أيًّا كانت عقيدتهم الدينية، المساواة في الحقوق والواجبات).

وتقول المادة 7 من مشروع الدستور الفلسطيني: (مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، ولأتباع الرسالات السماوية، تنظيم أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية وفقا لشرائِعهم ومللهم الدينية في إطار القانون، وبما يحفظ وحدة الشعب الفلسطيني واستقلاله).

إذًا، الطلاب غير مقتنعين بالإسلام لأنَّهم لم ينتخبوا فصيله المحتكر للدين! فهم إذًا منافقون! كما يكتب الوزير السابق الذي يرى بقرارة نفسه ومن عباراته الغاضبة أنَّ دخولهم كلية الشريعة أصلاً نفاق وكارثة؟! وحسب نص كلامه التنبُّئي الذي نرفضه:(يدلُّ على أنّنا مقبلون على أيام صعبة، حين نجد هؤلاء هم مَن سيدرّسون أبناءنا (التربية الإسلامية) في مدارسنا)! وما نراهم نحن إلّا مسلمين مستنيرين هداهم الله للفكر الحضاري العقلاني في متن حضارتنا العربية الإسلامية السمحة، وينهلون من نبع الإسلام الصافي، وليس الملوث بالدم والتطرف والهرّاوة وبريق الكرسي.

الطلاب انتهازيون أو جبناء!

أمّا السبب أو الاحتمال الثاني برأيه أنهم:

2). فضلوا اختيار من يحقق لهم مصالحهم الآنية، وقدّموا ذلك على المبدأ)! يعني إمّا هم منافقون وضد الإسلام؟! حسب الاحتمال الأول لأنّهم لم ينتخبوا فصيله فصيل "حماس"، أو هُم انتهازيون حسب الاحتمال الثاني لأنهم رفضوا مبادئ "حماس"، فما هو الثالث من احتمالاته لنقرأ ونتعجّب!

3). يقول وقد يكون دافع بعضهم (الخوف) و(الجُبن)، وعلماء مثل هؤلاء – إن صاروا علماء – سيكونون قدوة سيئة للأجيال)! ويخلص لنتيجة كالتالي (وأيًّا كان السبب من الأسباب السابقة فهو (كارثة))!؟ ويستطرد أنّ في ذلك: (ناقوس خطرٍ ينبغي أن ندُقَّه، ويحتاج من أهل العلم بذل مزيد من الجهود لاستدراك الخلل الناتج عنه)!

نعم هي كارثة على فصيل "حماس" و"الإخوان المسلمين" القطبيين المتطرفين المنعزلين عن المجتمع والإسلام والمواطنة ، وكارثة وناقوس خطر على المنهج الإقصائي القطبي في "حماس" وكارثة على أتباع الفكر الإسلامي القِشري، وكارثة وناقوس خطر يدق على المتطرفين من أتباع الفكر الأزرقي الخارجي الذي يؤمن أن كل من يفكر بغير طريقته، فهو خارج الملة أو منافق أو انتهازي أو جبان؟ ويجب استئصاله!

المثير أيضًا أنَّ مثل هذه الاتهامات الحمساوية للطلاب سرعان ما تزول بقدرة قادر حين تفوز "حماس" في أي جامعة بالضفة! حتى لوكان فوزهم مرتبطًا بجبن البعض أو خوف البعض أو انتهازية أو نفاق من أسماهم احتقارا (هؤلاء)!

حركة "فتح" والدولة المدنية

نقول للسيد عيسى الجعبري نحن في حركة "فتح" حركة وطنية فلسطينية تسعى لتحرير فلسطين، وتضم كل الفئات، ويحكمنا في الدولة المدنية القادمة بإذن الله الدستور، ومساواة جميع المواطنين مسيحيين أو مسلمين بكافة فئاتهم أمام القانون، وتمامًا كما يفعل د.راشد الغنوشي في تونس، ونقول له نحن من أتباع منهج الحب المحمدي، لا منهج الحقد الأزرقي (نسبة لنافع بن الأزرق التكفيري الخارجي).

قال الوزير السابق إنّ حركة "فتح" تتجنَّب أن تقول عن نفسها علمانية، ونقول هي لا تتجنبك أنتَ، إنما تعرّف نفسها كما تشاء هي لا أنت، لأنّها لا تقرّ تعريفاتك المطلقة أنت وفصيلك أصلاً، كما أسلفنا، ولسنا معنيين بالمناكفات هذه، هداك الله.

يقول د.محمد عمارة المفكر الإسلامي المستنير أن: "الحركات الإسلامية" تعاني "قصورًا في التربية السياسية لفقرها فكريًّا وقلة بضاعتها من صناعته وصنّاعه مضيفا وإنما لانغلاق هذه الحركات عن الفكر السياسي ونظرياته" ويشير إلى "تزايد جمود النصوصيين، وتدني جرعة العقلانية لدى العقلانيين" عندهم.

كفى "الإخوان المسلمين" خاصة التيار القطبي اتهاما للآخرين وحقدًا عليهم، وتقديسًا للفكر المغلَق الماضوي فيهم، فهذا الأسلوب وعدم الاعتراف بالخطأ والخطايا هو مجلبة الهلاك لهم وانفضاض الناس عنهم، فالوعي عام وضيق الأفق خاص.