تقرير: عماد فريج
"وحدنا الدم يا كرامة وحدنا الدم وحدنا الدم، والشمل التم يا كرامة الشمل التمّ الشمل التمّ، بجبال النار.. فدائية، بين الأغوار.. فدائية، عجبين الارض العربية وحدنا الدم وحدنا الدم". هذه أبيات من قصيدة الشاعر الراحل أبو الصادق الحسيني، هتفت بها حناجر الفدائيين الفلسطينيين وبواسل الجيش العربي الأردني البطل بعد الانتصار العظيم الذي حققوه في معركة الكرامة في 21 آذار 1968.
يستذكر اللواء عبد الإله الأتيرة، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، مشاركته في معركة الكرامة ضمن الفدائيين الفلسطينيين الذين تمترسوا على طول الحدود الأردنية، جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الأردني.
وأكد في حديث لـــ"وفا" أنه "لولا تكاتف الفدائي الفلسطيني مع ضباط وجنود الجيش الأردني لما تحقق الصمود والنصر المؤزر في معركة الكرامة".
وروى الأتيرة تفاصيل يوم المعركة، حيث بدأ الفدائيون في حوالي الساعة الخامسة صباحاً بسماع أصوات الدبابات والطائرات الاسرائيلية تقترب من منطقة الكرامة، وبدأت القوات الاسرائيلية تتمركز على الجبال، وفي تمام الخامسة والنصف بدأ الاشتباك، فقاتلت قوة الحجاب الأردني المتواجدة على النهر ببسالة وقوة، ولم ينسحبوا أو يتنحوا من خنادقهم حتى آخر طلقة، وعلى الرغم من بساطة السلاح الذي يمتلكه الفدائي الفلسطيني إلا أنه قاتل ببسالة الى جانب الجندي الأردني الذي لم يترك أرض المعركة وقاتل بجانب أخيه الفلسطيني لآخر نفس.
واستعاد الأتيرة مشاهد من صمود وبسالة وعنفوان الفدائيين الذين واجهوا الدبابات الإسرائيلية من مسافة قريبة، وفجّروا أجسادهم فيها، موقّعين خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي.
ولفت إلى أن إسرائيل لأول مرة وبعد نحو 8 ساعات من المعركة طلبت من مجلس الأمن المساعدة في وقف إطلاق النار ليقوموا بسحب جثث القتلى والجرحى، والآليات المعطوبة.
وأشار الأتيرة إلى أن معركة الكرامة جاءت بعد أشهر قليلة من هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967، والتي أثّرت على معنويات الجيوش والشعوب العربية، وبالتالي كان خيار المواجهة وخوض المعركة صعب جداً، وتلقى الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي كان قائدا للفدائيين في حينها، العديد من النصائح بالانسحاب وعدم التصدي لجيش الغزاة الإسرائيلي، مشككين في قدرة 800 فدائي فلسطيني مرابطين على الحدود بأن يتصدّوا لألوية الجيش الإسرائيلي الميدانية والمدعومة بالدبابات والطائرات، ولكن "أبو عمار" رفض ذلك واتخذ قرارا بالصمود والتصدي، مسنودا بقرار مماثل من القيادة الأردنية وعلى رأسها الملك الراحل الحسين بن طلال. وأضاف الأتيرة: "لو انسحبنا لانتهت بذور الثورة الفلسطينية".
واستطاع الفدائيون الفلسطينيون وقوات الجيش الأردني من صد القوات الإسرائيلية وإيقاع خسائر فادحة في صفوفها وتحقيق النصر وتبديد عبارة "الجيش الذي لا يقهر" التي كان يتغنى بها الاحتلال الإسرائيلي.
وقال الأتيرة: "الفدائيون امتلكوا في حينها إرادة الصمود والتحدي وكانوا متعطشين لنصر بعد الهزائم، ليستطيعوا قهر الجيش الإسرائيلي المدجج بكافة أنواع الأسلحة والوسائل القتالية".
وارتقى في معركة الكرامة أكثر من 180 شهيدا فلسطينيا وأردنيا، رووا بدمائهم الثرى، كان في أيديهم القليل من السلاح والكثير من العزم وفي قلوبهم العميق من الإيمان بالله والوطن. وفشلت إسرائيل في تحقيق مطامعها وأهدافها في القضاء على الثورة الفلسطينية واحتلال أجزاء من الأردن.
وأكد الأتيرة أن معركة الكرامة كانت نقطة فاصلة للثورة الفلسطينية التي انتزعت اعترافا بوجودها على المستويين العربي والدولي، وأثبتت أن العربي يستطيع أن يجابه الجيش الإسرائيلي، لافتا إلى أن المعركة ممتدة إلى يومنا هذا، حيث تتواصل قوافل الشهداء وبطولات أبناء شعبنا في التصدي لجرائم الاحتلال وانتهاكاته، متمسكين بثوابتنا وحقوقنا.
وشدد على الوحدة التي تربط الشعبين الأردني والفلسطيني، والقيادتين الأردنية والفلسطينية، مثمنا مواقف القيادة الأردنية الثابتة تجاه القضية الفلسطينية على الرغم من تعاظم الضغوط الاقتصادية والسياسية على الملك عبد الله الثاني.
من جانبه، قال رئيس اللجنة السياسية في المجلس الوطني وأحد مؤسسي الإعلام الفلسطيني خالد مسمار، إن إسرائيل اعتقدت أنها تستطيع إنهاء العمل الفدائي الفلسطيني من خلال معركة الكرامة، إلى جانب احتلال مرتفعات السلط والتي تطلق عليها اسم "جبال جلعاد"، وتحويلها إلى "حزام أمني" لإسرائيل، مشيرا إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حينها موشيه ديان قال إنه ذاهب إلى نزهة وطلب من الصحفيين مرافقته، إلا أن الصحافة كانت وبالا عليه وصوّرت هزيمته ودباباته المتروكة في أرض المعركة.
وأضاف مسمار: "كان التلاحم واضحا وقويا ما بين الجيش العربي الأردني والفدائيين الفلسطينيين الذين كانوا بقيادة حركة فتح، وامتزج الدم الفلسطيني بالدم الأردني في بطولات مميزة على ساحة المعركة، حيث استطاعوا قهر أكثر من 15 ألف ضابط وجندي إسرائيلي مدعومين بالدبابات والطائرات".
وتابع: "ارتفعت معنويات الأمة العربية جميعها بهذا النصر العظيم، وأصبحت المعركة تدرس في أكاديميات الجيوش الأجنبية".
وأردف مسمار قائلا: "في تلك الفترة أصبح العمل الفدائي رمزا لكل انسان فلسطيني وعربي، والتحق بالعمل الفدائي الكثير من العرب والأصدقاء".
وأكد أن معركة الكرامة خالدة في قلب كل أردني وفلسطيني وعربي حر، وهي ليست يوما فقط بل بوابة التاريخ لأمة صحت من غفلتها وسطرت أول صفحة من صفحات استعادة الأمة وجيوشها لهيبتها وكرامتها التي سلبت في حزيران 1967، مشيراً إلى أنها كانت نقطة تحول في تاريخ الأمة حين استطاع الفدائيون مع أخوتهم في الجيش العربي الأردني أن يثبتوا للأمة بأنها قادرة على النهوض بعد النكسة وتحقيق النصر.
واستذكر مسمار مقولة للراحل الملك حسين بأنه "الفدائي الأول" تعبيراً عن تأييده للعمل الفدائي، لافتاً إلى أن الملك عبد الله الثاني ابن الحسين يسير على خطى والده بتأكيده على وقوفه الدائم إلى جانب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وبأن القدس خط أحمر.
ولفت إلى أن العلاقة الفلسطينية الأردنية هي علاقة قديمة وتاريخية تعززت في معركة الكرامة ومتواصلة إلى يومنا هذا، مشيرا إلى وحدة الشعبين الأردني والفلسطيني.
وبعد 51 عاما، ما زال التلاحم الفلسطيني الأردني الذي تعمّد بالدم على أشدّه، وما زالت الأردن بقيادتها وشعبها السند الصادق والدعامة الأساسية الأولى لشعبنا وقضيته العادلة ومسيرته نحو الحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
هذا الموقف أكده ويؤكده دوما الملك عبد الله الثاني، حيث قال، يوم أمس الأربعاء، "عمري ما راح أغير موقفي بالنسبة للقدس، فموقف الهاشميين من القدس واضح، ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية علينا واجب تاريخي تجاه القدس والمقدسات". وأضاف: "بالنسبة لي القدس خط أحمر، وشعبي كله معي".
وتابع: لا أحد يستطيع أن يضغط على الأردن في هذا الموضوع، والجواب سيكون "كلا"، لأن كل الأردنيين في موضوع القدس يقفون معي صفا واحدا، وفي النهاية العرب والمسلمون سيقفون معنا. وأي حدا بحكي عن وطن بديل الجواب "كلا".
وفي ذات السياق، قال الملك عبد الله الثاني في تغريده له، اليوم الخميس، على موقع "تويتر"، "نستذكر بفخر شهداء جيشنا العربي المصطفوي، الذين قدموا حياتهم فداء للوطن وقضايا الأمة، وفي مقدمتها تضحياتهم على ثرى فلسطين الطهور وأسوار القدس الشريف، وإن معركة الكرامة الخالدة هي شاهد حي على هذه التضحيات في سبيل العزة والمجد. حفظ الله الأردن وشعبه الأبي وجيشه الباسل".
بدورهم، يثمن الفلسطينيون على الدوام مواقف القيادة الأردنية تجاه قضيتهم، ويؤكد الرئيس محمود عباس باستمرار على الدور البارز للمملكة الأردنية الهاشمية في الدفاع عن القدس والمقدسات من خلال وصايتهم عليها، ويشيد بمواقف وتصريحات الملك عبد الله الثاني بخصوص القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. ويعتبر الرئيس عباس أن التنسيق الدائم على الصعد كافة مع الأردن الشقيق، يدلل على المواقف الثابتة للمملكة تجاه القضايا الوطنية والقومية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها