مهما تحدَّثنا عن الجزائر البلد العظيم، فإنَّنا نشعر دومًا بالامتنان الشديد لعظم العلاقة التي ميَّزت الصِّلة بين الشعب الفلسطيني والشعب الجزائري، وهي الصِّلة التي ارتبطت باللقاء التاريخي بين أبطال الثورة الجزائرية وبين قادة حركة "فتح" في الستينيات من القرن العشرين.

الشعور بالامتنان للجزائر لا يتوقّف عند حد، فهذا البلد العظيم بثورته ورجاله ونسائه كان له الفضل الأكبر على ثورتنا الفلسطينية حين احتضن الثورة في المهد، فجعل من صدر الجزائر الرحب محطةً للدعم العسكري والمالي والسياسي، بل وبوابة مفتوحةً أبدًا لبناء العلاقات مع الدول الصديقة ومع حركات التحرر في العالم.

نمتلئ غبطةً ومحبّةً وسرورًا حين يتبادر إلى أذهاننا كفلسطينيين الاحتضان الذي لم ينقطع للثورة الفلسطينية وحركة "فتح"، والاحتضان للفلسطينيين الذين توّلوا التعليم والعمل في الجزائر بمحبّة واقتدار، كما نمتلئ فخرًا بطلبتنا الذين يدرسون أو تخرّجوا من الجامعات الجزائرية فيعجز القَلم عن الشكر.

نمتلئ محبّةً وعرفانًا من القيادة والشعب الجزائري الذي قال بلسان الراحل العظيم هواري بومدين مقولته المشهورة: (نحنُ مع فلسطين ظالمة أو مظلومة)، فتبسّم ياسر عرفات الليث المتوسّد وزأر قائلاً: (معًا وسويّا حتى النّصر).

بلا شك أنَّ الثورة الجزائرية علَّمتنا من تجربتها العسكرية والسياسية والتنظيمية الكثير، فتكتيكات حرب العصابات في الصين وفيتنام والجزائر وأفانين الكر والفر وطريقة بناء نظام حركة "فتح" الداخلي، وقِيَم التعامل بين الرفاق كلّها ممَّا اكتسبناهُ بتأثّر وحنين.

إنَّ قيمة هذه العلاقة التي لم ولن تنقطع هي بأنَّنا نقف دومًا إلى جانب الشعب الجزائري وإلى جانب حكمة القيادة الجزائرية، ونثق ثقة كبيرة بمنطق قدرته على تجاوز المحن وتجاوز خلافاته الداخلية، ففي حين تخرج التظاهرات اليوم ضد العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة يسطّر هذا الشعب أروع مسار ديمقراطي شعبي سلمي بلا أي تخريب أو عبث أو دم كان من مآلات الربيع العربي في جوار الجزائر المفتون بالقتل.

وإذ يرفع المتظاهرون شعار الرحيل أو استبدال الرئيس سلميًّا فإنَّ لسان حاله يقول كما أشار الصحفي حسن جزائري: "نريد نفسًا جديدًا، وطنًا مجيدًا، بلدًا قويًّا، قيادةً تليق بهذه الأرض وبتضحيات شهدائها".

هكذا هي الجزائر دومًا تُعلّمنا في ثورتها العنفية المسلَّحة الدروس، وتُعلِّمنا في حراكها الشعبي السلمي الدروس، وعيننا على حكمة قادتها.