مؤخّرًا أُتيح لي الجلوس مع مجموعة من الشابات الفلسطينيات في اجتماع عمل، ما ادهشني بالفعل ما تتمتع به تلك الشابات من قوة شخصية، وما أظهرنه من استقلالية، فيها قدر كبير من الثقة بالنفس، وأكثر من ذلك تمكنهن المهني والعلمي وقدرتهن الملفتة للقيادة وتحمل أكثر المسؤوليات تعقيدًا.

لذلك لا بد من تناول المرأة الفلسطينية من خارج النص التقليدي المتداول بأن قيمتها تأتي، أو تكمن في كونها أمًّا أو أختًا وابنة شهيد أو أسير.

فبالرغم من أهمية ذلك وسموه وقدسيته، فإنَّ مكانة المرأة تتعدّى ذلك بكثير، فهناك فلسطينيات هن بحد ذاتهن شهيدات وأسيرات ومناضلات وقائدات سياسيات، نساء برعن في كل المجالات. هناك جيل جديد من الفلسطينيات سواء هنا في الوطن أو في الشتات هن نساء أعمال ناجحات، وكاتبات وأديبات وشاعرات ومثقفات وعاملات يبرعن في كل المهن.

ما أُريد قوله هنا، أنَّ هذه المرأة بكفاحها وإصرارها على بروزها ككيان مستقل واثق وقوي إنَّما تقوم بإنجاز تاريخي عبر تفكيكها للمجتمع الذكوري الذي يجثم على صدورنا، كأمة منذ مئات القرون ويمنعنا عن التطور واللحاق بالأمم المتقدمة.

المرأة الفلسطينية لم تعد تقبل بأن تبقى ملحقًا بالرجل الأب، الأخ أو الابن، فهي كيان مستقل وتستحق أن نتعامل معها بأنها كذلك، علينا أن نشعر بالفخر أن المرأة الفلسطينية بالفعل تقف هي والرجل جنبًا إلى جنب وعلى قدم المساواة في الكفاح من أجل حرية شعبنا الفلسطيني، وتنخرط في العملية التنموية بشكل ملفت يضاهي بالفعل ما يقوم به الرجل لأنّها أكثر التزاما وتمسُّكًا بالنزاهة والمهنية.

ولكن المشهد ليس بهذه الوردية، بيننا واللحظة التي نرى فيها المرأة الفلسطينية وقد أصبحت بالفعل كيانًا مستقلاً بكل ما تعنيه الكلمة معنى، شوط كبير من النضال. فبقدر ما هو مهم أن نحصّن واقع المرأة بالقوانين التي تضمن المساواة الحقيقية، فإنّ تحرير عقلها وبالأساس تحرير عقل المجتمع هو المدخل لضمان وجود امرأة تتمتَّع بالاستقلالية والقدرة على اتّخاذ القرار والمشاركة الفاعلة في صناعة القرار في المجتمع. فأحد أشكال منع الأمة العربية وحرمانها من النهوض والتقدم والازدهار لتكون أمة عصرية منافسة، أحد أهم الأشكال هو السيطرة على عقل المرأة وإبقاؤها أسيرة تقاليد المجتمع الذكوري. وإذا ما أخذنا سيطرة المحافظين والإسلام السياسي على مناهج التعليم ندرك الموانع الحقيقية أمام نهوض الأمة ومن بينها نحن الفلسطينيين من التقدم.

من دون شك لدينا من الأسباب ما يجعلنا نتفاءل، ولكن وفي الوقت ذاته علينا أن ندرك أنّ أمامنا نضالاً طويلاً لنرى المرأة صانعة وشريكة حقيقية بالقرار. فالطبيعة ذاتها تقول لنا إنَّ العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة شراكة وتكامل، ولكن الطبيعة تقول أيضا إنّ لكلٍّ من الرجل والمرأة حقهم في التعبير الشخصي المستقل عن الذات، هذا هو ما يحقق المساواة الفعلية.