أفترضُ قدرتنا على حمل أفكارنا ومقترحاتنا عندما نجتمع في لقاء حواري نتخيّله ونريده كقوس قزح.
لا نُخطئ إذا قلنا إنَّنا معشر الصحفيين والكُتَّاب والمساهمين في صناعة الرأي العام نرى قوس قزح قضية تحرُّرنا واستقلالنا وحريتنا وحقنا في الرأي والتعبير عنه، ونرى ألوان طيفه السبعة بمثابة تعددية فكرية وسياسية حتى ثقافية.. لكن سيُخطئ بعضنا إن اعتقد أنَّ اللقاءات هي فرصة لإسماع الحاضرين أيًّا كانت مواقعهم على الطاولة (صوت السوط)، لأنَّ اللقاءات هي فرص ثمينة لترجيح صوت الضمير الوطني الكامن في نفس كل واحد فينا، صوت العقل، وهنا يكمن الفارق.
لا يقبل عقل نقدي، ولا مستمع من شريحة الذين نعتقد أنَّهم لا صوت لهم سوى صوتنا، تحويل فكرة لقاء إلى مجرد منافسة على جلد الذات والتفنُّن في استخدام السوط، فهاتان المهمّتان ليستا من اختصاصنا ذلك أنَّ الأولى لا يمارسها إلّا مريض، فيما الأخرى من اختصاص محترفي الترويض في (السيرك).
أكاد أجزم وبناءً على حيثيات ووقائع ما شهدته خلال أكثر من مئة ورشة عمل وندوة ولقاء حواري أنَّ أكثرنا يبرع في استغلال الوقت والمكان لإبراز قدرته على (اللعب بالسوط) وكأنَّنا في ميدان (حساب)!!! فيهتم بإسماع الآخرين تقريعاته، فيتحوَّل اللقاء عن مهمته الأساسية كلقاء لتوليد أفكار خلّاقة متنوعة متعدّدة يمكن رفع موضوع اللقاء عليها كقواعد ارتكاز أو بناء أو حتى قواعد انطلاق للأمام أو للأعلى، إلى مجرَّد تجمُّع يسارع متقنو حرفة صناعة الإحباط واليأس والشك، لتفريغ شحناتهم كلامًا مجرَّدًا من المنطق والحقائق، فتضيع الفكرة من اللقاء، فنخرج خاسرين، لأنَّ البارعين في تبديد الوقت قد كسبوا وحققوا أهدافهم في نفخ دخان (معسل الكلام)، فإذا بنا ننتهي دون إحراز هدف واحد من اللقاء!
يقول المتحدث الذي دعا للقاء إنَّنا نواجه تحديّا وجوديا، وهدفنا في هذا اللقاء هو الخروج برؤية شاملة للتصدي، فينال من معظم (مجتمع اللقاء الحواري) استعراضا له أول وليس له آخر (لصفائح صدئة) وكأنَّه لا توجد لدينا معادن ثمينة متلألئة (مواقف سياسية) أو برامج عمل، أو وقائع وحقائق ذات قيمة على الأرض.
يقول نحن منفتحون على بعضنا، بإمكاننا تجسيد مواقفنا الثابتة التي لا اختلاف بيننا عليها، لأنَّنا متفقون على أنَّ الصراع الأساس والرئيس مع الاحتلال الاستعماري المهدِّد لوجودنا، فتأتيه ردود من ذات (مجتمع اللقاء الحواري الصراع) لا تحمل إلا تشخيصًا شخصيّا شعبويًّا مكرًّرا ممجوجًا لمرض الصراعات والخلافات الثانوية، وكأنَّنا نحن المستمعون قد جئنا من كوكب السعادة!! لا عِلم لنا بكل هذا الذي يتحدثون عنه، فإذا باللقاء الحواري يتحوَّل بفعل النفس الدخاني إلى لقاء لزيادة وتيرة اشتعال الصراع الثانوي، فيما نواجه المحتلين الذين يهددون وجودنا (بتحدي الثلج).
كفانا.. وادخلوا إلى مجتمع اللقاءات الحوارية بعقلية الانتصار للفكرة للموضوع، تعالوا نفكِّر، لا تأتوا لننفر، تعالوا نقترح علاجات لجروحنا، لا ننكأها ونقرحها، دعونا نضرب مثلاً ونصبح نموذجًا في منهج الحوار، بدل أن يستخدمنا الآخرون لضرب بعضنا.. فنحنُ أصحاب كلمة، والكلمة لا تقبل أن تكون إلا على لسان عاقل وصوته.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها