يصادف الثاني من تشرين الثاني ذكرى صدور وعد بلفور في العام 1917 الذي يشكل جريمة بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، ومصيره، ومعاناته التي تواصلت حتى هذه اللحظة، فوزير الخارجية البريطاني تعهد باسم حكومة جلالة ملك بريطانيا أن يساعد اليهود الذين عاثوا في العالم فساداً وتآمراً بأن يقيم لهم وطناً قومياً على أرض شعب فلسطين التاريخية، واقتلاع أصحاب الأرض. وقد كرّس بذلك إلتقاء المصالح الاستعمارية الصهوينية لتأسيس هذا الكيان العنصري العدواني الذي أصبح يهدد اليوم الدول العربية والأسلامية المجاورة، والذي أدى دوراً مميزاً في تمزيق الأمة العربية، وتحطيم آمالها في تحقيق الوحدة بين شعوبها. وبينما كان عدد اليهود في فلسطين (23000) نسمة في العام 1882 أصبح من خلال الدعم البريطاني للهجرة اليهودية في العام 1945 حوالي نصف مليون نسمة، علماً أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني رفض العرض الصهيوني بشراء الأراضي في فلسطين مقابل مبالغ مغرية. استفادت الحركة الصهيونية من دولة بريطانيا المنتدبة على فلسطين فعززت وجودها العسكري على أرضنا تمهيداً لاقتلاع الشعب الفلسطيني، وإقامة الكيان الصهيوني، ونجحت في تأسيس وتدريب وتسليح منظمات إرهابية إجرامية منها: الايتسل، وليحي، والهاغانا واشتيرن، وقدَّمت لها السلاح على اختلافه ، ومكَّنتها من السيطرة على الاماكن والمدن الاستراتيجية استناداً إلى قرار التقسيم الجائر الذي يقدم لليهود 55% من أراضي فلسطين التاريخية، وهذا ما أدى إلى اشتباكات يومية متواصلة قدَّم الفلسطينيون عبرها مئات الشهداء والجرحى، واستطاع اليهود الذين لم تكن ممتلكاتهم تتجاوز 5.3% من أرض فلسطين، وعددهم عند صدور قرار التقسيم لم يتجاوز 30% من مجموع السكان من تحقيق مخططها من خلال المؤسسات المهمة التي أسستها وهي التي قامت بتنظيم عملية تهجير اليهود إلى أرض فلسطين، وتكثيف الاستيطان، وامتلاك السلاح، والحصول على الدعم السياسي من الولايات المتحدة وأوروبا بشكل أساسي، وأبرز هذه المؤسسات: الوكالة اليهودية، والمؤتمر اليهودي العالمي، والهستدروت، والصندوق التأسيسي لفلسطين.
إن ما جاء في إعلان بلفور في 2\11\1917 حرفياً هو التالي: عزيزي اللورد روتشيلد
"يسعدني جداً أن ابلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي:
تعاطفاً مع أماني اليهود الصهيونيين التي قدّموها ووافق عليها مجلس الوزراء."إنَّ حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى أنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم أي أمر من شأنه الاخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين ، أو بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى".
إن حكومة بريطانيا سعيدة جداً بأن تتعاطف مع اليهود الصهاينة الذين جاءوا من مختلف بقاع العالم في إطار مشروع استعماري صهيوني ليقيم لهم وطناً على أرضٍ ليست أرضهم، وهم أصلاً ليسوا شعباً، وانما جماعات مكروهة ومنبوذة حيثما حلَّت يتم طردهم من تلك الدول، ووجدوا الرعاية الكاملة من بريطانيا ليشكلوا قاعدة عدوانية تفوح منها العنصرية، والكراهية، والقتل، والذبح الذي شاهدناه في مجازر دير ياسين وصلحا والصفصاف ثم في كفر قاسم، وتدمير مئات القرى الفلسطينية وطرد أهلها بقوة السلاح والرعب والأرهاب. ومنذ اللحظات الأولى للأحتلال تم نسف ماجاء في نص وعد بلفور بأنه "لن يتم أي أمر من شأنه الاخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية في فلسطين أو بالحقوق والاوضاع القانونية...".
إنطلاقاً مما تقدم، وفي هذه الذكرى المجحفة والأليمة والعدائية لحقوق شعبنا الفلسطيني جهاراً نهاراً فإننا نؤكد ما يلي:
اولاً: يجب العمل بجدية مطلقة وبعيداً عن أية تأثيرات دولية أو إقليمية لإنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتحقيق الوحدة الوطنية، والتوافق على البرنامج السياسي القادر على تشكيل رافعة حقيقية للموقف الفلسطيني الشامل في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وحماية الحقوق الوطنية والثوابت الفلسطينية، والخروج من الأزمة الخانقة التي تتحكم بالوضع الفلسطيني بكامله.
ثانياً: انَّ إصرار حكومة نتنياهو العنصرية على الاستمرار بالاستيطان في القدس الشرقية، وفي كافة الاراضي المحتلة، وإدارة الظهر للمجتمع الدولي الذي أوجد بدعةً صهيونية بقرار دولي سماها إسرائيل، وممارسة الاجرام، والقتل، والتنكيل اليومي، والتهجير القسري، والاعتقالات العشوائية المصحوبة بالتعذيب، والقهر والاستهتار بكافة القوانين الدولية التي تتعلق بالأسرى والمعتقلين، إنًّ هذا كله يضعنا كفلسطينيين أمام خيار واحد لا بديل عنه وهو أن ندفنَ خلافاتنا، وأن نتخلى عن صراعاتنا، وان نقدم المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني على المصالح التنظيمية والفئوية، وبالتالي "ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرك."
ثالثاً: إنَّ الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وفي المعتقلات والزنازين، يدفع الثمن مرتين مرةًّ بسبب الإجرام الاسرائيلي وظروف اللجوء المدِّمرة، ومرة من الواقع القيادي الفلسطيني المنقسم على ذاته بسبب الانقسام وتداعياته الأمنية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمعنوية ، لكنه ليس قدرنا أن تزيد خلافاتُنا غير المبرَّرة والعجز عن توحيد القرار والرؤية من الضربات الموجعة الداخلية.
رابعاً: نسجِّل اعتزازنا بالموقف الشعبي المقاوم لأهلنا في مدينة أم الفحم بوجه المنظمات الصهيونية الارهابية التي تمارس سياسة الرعب والقتل مدعومة من الشرطة الاسرائيلية في سياق الارهاب المنظَّم والمبرمج لقمع التطلعات الوطنية والقومية لشعبنا في الاراضي الفلسطينية التاريخية.
كما نؤكد بأن ما يجري في ام الفحم وفي القدس ما هو إلاَّ نهج إجرامي مدروس وغير منفصل عن مجزرة دير ياسين في العام 1948 ، ومجزرة كفر قاسم في العام 1956، وقد جاء العدوان الاسرائيلي على ام الفحم في الوقت الذي يحيي فيه شعبنا ذكرى شهداء مجزرة قرية كفر قاسم العربية.
خامساً: أمام الاستعصاء الحالي في المفاوضات وبسبب العنصرية الاسرائيلية والعجز الاميركي عن لعب دور الرعاية للمفاوضات، بات واضحاً بل ولزاماً على الجانب الفلسطيني أن يتكامل، وأن تتضافر الجهود للبحث عن البدائل المؤثرة والفاعلة التي تقرها الشرعية الدولية كحقوق للشعوب المضطهدة في كفاحها من أجل دحر الاحتلال، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين الى أراضيهم التي طردوا منها استناداً إلى القرار الدولي 194.
سادساً: من المهم تعزيز الدور العربي الداعم للقضية الفلسطينية، وترجمة الشعارات السياسية المطروحة نظرياً لتأخذ فعلها الميداني في دائرة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي والجهات الداعمة له.
سابعاً: إنَّ على جامعة الدول العربية أن تفعِّل دورها السياسي والاعلامي باتجاه الامم المتحدة لحملها على تنفيذ قراراتها الملزمة لإسرائيل، ولماذا لا تطالب الجامعة العربية بريطانيا بأن تلغي الوعد المشؤوم رسمياً وهو وعد بلفور، والذي كان سبباً في مأساة الشعب الفلسطيني وتشريده وآلامه، ولماذا لا تحرِّك الجامعة العربية القرار 181 وهو قرار التقسيم في 29/11/1947 الذي اعطى غطاءً كاملاً ودولياً لإسرائيل كي تقيم كيانها المغتصِب، وتقتلع أصحاب الارض وتشردهم، ثم تبتلع الأراضي الفلسطينية بكاملها، إضافة ألى بعض الاراضي العربية في الجولان ولبنان.
الذكرى أليمة بكل مضامينها وتداعياتها، لكنها بالنسبة لنا يجب ان تكون محرِّضاً من أجل رصِّ الصفوف وانجاز الوحدة الوطنية، وهذا هو الرد المطلوب على جريمة بهذا الحجم.
التحية إلى ابناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات.
التحية إلى قوافل الشهداء والجرحى والمعاقين والى ذويهم الصابرين.
التحية إلى الأبطال المقاومين الصامدين في المعتقلات والزنازين.
وانها لثورة حتى النصر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها