إنَّ العدوان الصهيوني الغاشم الأخير على قطاع غزة، والذي استهدف منطقة خان يونس شكَّل مفاجأةً أو صدمةً للبعض، خاصة أنه جاء في مرحلةٍ تشهد جهوداً سياسية مكثَّفة بين الجهات الإقليمية والدولية، المنهمكة سياسياً بترتيب العلاقات بين العدو الصهيوني، والأطراف الفلسطينية المعنية بقطاع غزة ميدانياً للوصول إلى تهدئة على طريق هدنة مستقبلاً، وهذا كله طبعاً في خدمة الصفقة الصهيونية التي اعتمدها ترامب الأميركي الانكليكاني الصهيوني، والتي بدأ يفرضها على أرض الواقع قبل الإعلان عنها رسمياً بإطارها الكامل.
ورغم أن الجانب الفلسطيني الرسمي المتمثِّل بمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها رفضت رفضاً تاماً هذه الصفقة الصهيونية، ورفضت التعاطي معها كلياً، وأمام العالم أجمع، وعلى رؤوس الأشهاد. إلاَّ أن أطرافاً إقليمية كانت حريصة على تمرير هذه الصفقة بكل مخاطرها الاجتثاثية، والتدميرية للقضية الفلسطينية. وكانت تبحث عن حلول جزئية، وإنسانية، وشكلية بدلاً من التركيز على جوهر القضية الفلسطينية، وتنفيذ قرارات تقزيم حقنا في أرضنا، وفي قطاع غزة تمهيداً بتهدئة مشوَّهة، هي أقرب إلى الصفقة المؤقتة، وتجاهل الدور الأساسي والسياسي المركزي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
إنَّ العملية العسكرية العدوانية ذات الطابع الأمني والعسكري، والتي نفذتها قوة خاصة للاحتلال الإسرائيلي، على رأسها ضابط كبير، وهم يستخدمون سيارة مدنية، واخترقوا منطقة شرق خان يونس بعمق ثلاثة كيلو مترات، وكانوا يرتدون زياً نسائياً، تماماً كما فعل باراك سابقاً، عندما نفَّذ عملية اغتيال القادة الثلاثة في بيروت العام 1973 في منطقة فردان في قلب العاصمة.
صحيح أن القوة المهاجِمة تمكنت من الوصول إلى الهدف، لكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها كاملةً، خاصة أنها تريد اختطاف القائد ومرافقيه من أجل إخضاعهم للتحقيق القاسي، والحصول على المعلومات الدقيقة المتعلقة بالأنفاق، والأسلحة، والخطط العسكرية.
وصحيح أن القوة العسكرية المهاجمة تمكنت من قتل القائد في قوات القسام الشهيد نور محمد بركة، ومعه ستة مقاومين وذلك بعد تدخل الطيران الحربي الإسرائيلي بقوة لحماية المجموعة الصهيونية، وتسهيل إمكانية الانسحاب من أرض المعركة، إلاَّ أن الاشتباك الذي حصل أدى إلى مقتل ضابط كبير إسرائيلي، ومعه جندي مصاب.
الطيران الحربي الإسرائيلي استمر بالقصف، والتدمير بعد العملية مساء 2018/11/11، وفي اليوم الثاني طال القصف العديد من الأبنية، والأحياء بشكل متعمَّد. أما فلسطينياً فقد أستُشهد إلى جانب القائد نور بركة ستةُ شهداء، ومع استمرار القصف في اليوم الثاني والثالث استُشهد وجرح آخرون.
أمام ما حصل فإننا نؤكد أولاً: بأن العدو الصهيوني يريد الاستسلام الفلسطيني الكامل أمام الضغوطات الصهيونية، وتهديدات صفقة ترامب التدميرية، وحتى الآن ما زال ترامب مصراً على ما أعلنه سواء ما يتعلق بالقدس، أو باللاجئين، أو باستيطان الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية دون منازع، باعتبارها أرض القومية اليهودية.
ثانياً: في إطار التصور الصهيوني ومخططاته في المنطقة فإنه لا وجود لأية حقوق فلسطينية، والدعوة الإسرائيلية وعبر الكنيست الإسرائيلي لكل اليهود في العالم، أن يعودوا إلى أرض فلسطين من أجل تقرير مصيرهم. لذلك، ومن هذا المنطلق فإن العدوَّ أقفل الأبواب أمامنا جميعاً بما يتعلق بالحلول السياسية.
ثالثاً: كان واضحاً أن العدو الإسرائيلي لن يتخلى عن مفهومه وقناعاته الإجرامية والدموية بحق شعبنا وحقوقه المشروعة في أرضه، وبالتالي فهو يتجاهل الأطراف الدولية والإقليمية الذين دخلوا كوسطاء، وينفِّذ ما يريد فهو عدوُّ السلام.
رابعاً: إن الرد الوحيد فلسطينياً على الجريمة التي ارتكبها العدو الصهيوني هو الإصرار على توحيد الموقف، وتعزيز الوحدة الوطنية، وذلك من خلال تنفيذ بنود المصالحة المُتفق عليها بيننا، والتأكيد للجميع على أن "م.ت.ف" هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وأن القرار الفلسطيني سياسياً وعسكرياً المعتمد عبر المؤسسات الوطنية هو ملزم لنا جميعاً.
خامساً: لا بد أن تكون رسالتنا واضحة كفلسطينيين إلى كل العالم، بأنه لا سلام ولا أمن في المنطقة مع وجود الاحتلال الإسرائيلي، وأنَّ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية هي ضمانة الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأنه من حق شعبنا أن يعيش مستقراً مطمئناً كباقي شعوب العالم على أرضه. ولا بد من التأكيد مجدداً على أنه لا دولة في قطاع غزة، ولا دولة بدون قطاع غزة، ولا دولة بدون القدس.
وبالتالي آن الأوان أن نمزِّق صفحة الانقسام الأسود، وأن نعلن إشراقة مرحلة نضالية مشتركة وموحَّدة.
نعزي قيادة حركة "حماس"، وكافة الفصائل، ونعزي أنفسنا باستشهاد القائد القسام نور محمد بركة، كما نعزي أهالي الشهداء جميعاً، ونعدهم بأننا سنبقى نعمل مع الجميع من أجل الوحدة الوطنية، والتصدي للاحتلال، والحفاظ على حقوقنا المشروعة على أرضنا المباركة، وفي القلب منها القدس، العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والحرية لأبطالنا الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية، والشفاء للجرحى الأبطال.
وإنها لثورة حتى النصر
حركة فتح-الإعلام المركزي - لبنان
2018/11/13
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها