شخصيا افترضت بعدما استمعت لما قاله الرئيس دونالد ترامب عن أن "الحل الأفضل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في خيار حل الدولتين" في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل في نيويورك يوم الجمعة الموافق 28 ايلول/سبتمبر الماضي، أن الرجل بدأ ينزل تدريجيا عن شجرة العداء والملاحقة للحقوق والمصالح السياسية للشعب الفلسطيني، خاصة وان هناك أيضا بعض المصادر أفادت بوجود مرونة نسبية في موقف الإدارة الأميركية.
غير ان الوقائع الماثلة في المشهد أمامنا والمعبرة عن مواقف الإدارة الأميركية تجاه عملية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ذهبت بعيدا في غلوها وعدائها للشعب الفلسطيني وخيار السلام على حد سواء، حينما أعلن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي يوم الأربعاء الموافق 3 تشرين أول / أكتوبر الحالي (2018) عن قرار ترامب بالإنسحاب من البروتوكول الاختياري بشأن حل النزاعات الملحق بمعاهدة فيينا، فيما له صلة بقضية تطعن في نقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس".
وبعد 48 ساعة من ذلك الإعلان الرسمي، أصدر الرئيس الأميركي مساء الجمعة الموافق 5 تشرين أول/ أكتوبر الحالي قانونا جديدا ينهي المساعدة المالية لقوات الأمن الفلسطينية، ليس هذا فحسب، بل ان القانون الجديد يمنح المحاكم الأميركية سلطة الاستيلاء على الأموال من أي كيان يتلقى مساعدة من الحكومة الأميركية.
حينما تنظر إلى السلوك السياسي والقانوني والأمني والمالي والاقتصادي الأميركي تجاه المصالح والحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية منذ تشرين أول/ أكتوبر 2017 بالانسحاب من اليونيسكو، ثم في الشهر الذي تلاه تشرين ثاني/ نوفمبر رفضت الإدارة التجديد لمكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن، ثم الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في مطلع كانون أول/ ديسمبر من العام الماضي، والسلسلة المتعاقبة من القرارات المستهدفة الحقوق السياسية الفلسطينية، تجد أنك أمام حرب أميركية شاملة ضد الكل الفلسطيني، وتتقدم الإدارة الترامبية على حكومة نتنياهو كرأس حربة في الهجوم على الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية والشتات، وعلى مؤسساته وتمثيله ومكانته وأهدافه، ارتباطا بذلك تتم عملية تدمير منهجية لعملية السلام، وتكامل وتشارك مع دولة الاستعمار الإسرائيلية في تأبيد الاستيطان الاستعماري، وقتل أي أمل في بلوغ هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة والمساواة لأبناء الشعب داخل الخط الأخضر.
هذه الحرب ليست منفصلة عن حروب أميركا ترامب ضد الأمم المتحدة ومؤسساتها، وملاحقتها محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، والانسحاب من البرتوكول الاختياري من معاهدة فيينا، ولجنة حقوق الإنسان الأممية، وقبلها منظمة اليونيسكو والحبل على الجرار، ماذا بقي من المؤسسات الأممية لم تلاحقها إدارة ترامب؟ اتفاقية المناخ انسحبت منها، حلف الناتو خاضع للمراجعة، وقد تخرج منه، اتفاقية التجارة مع كندا والمكسيك خرجت منها، ملاحقة الصين وروسيا وتركيا وإيران وكوريا الشمالية وحدث ولا حرج عن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي وغيرها، وبالتالي الاستنتاج القديم نسبيا والجديد، هو ما ذكرته خلال الفترة الزمنية القريبة الماضية بأن أميركا ترامب تنفذ سياسة أباطرة رأس المال المالي في فك وإعادة تركيب الخارطة العالمية بعد أن ضاقت ذرعا من المنظومة الأممية، التي أنشأتها هي على انقاض عصبة الأمم، اي الأمم المتحدة القائمة حاليا بعد الحرب العالمية الثانية، وكونها لم تعد تؤمن لها الأهداف المرجوة منها، لان الأقطاب الدولية الأخرى والدول الفقيرة الممثلة في الأمم المتحدة باتت تسحب البساط من تحت أقدامها وفقا لمعايير القانون الدولي وتشريعاته ومعاهداته ومواثيقه المتقدمة إنسانيا، وهو ما لا تقبل به تلك الطغم، وتعمل على نسفه والانقلاب عليه.
ومن هنا يمكن الاستنتاج، أن مقولة أميركا تعيش في عزلة، هي مقولة غير دقيقة بالمعنى الحرفي للكلمة، لان ما تنفذه الإدارة الأميركية، هو خيار أميركي، وهو خيار إطلاق دوامة الفوضى العالمية، أو الفوضى الخلاقة، التي تستجيب لتعليمات الحكومة العالمية بزعامة عائلة روتشيلد الصهيونية، وانسجاما مع شعار ترامب "أميركا أولا". وبالتالي محاربتها على الجبهات المختلفة، هو قرار رأس المال المالي، وهي تطارد الأقطاب لاستعادة زمام السيطرة على القرار والسياسة الدولية. وهنا يمكن التوافق النسبي مع منطق العزلة، من حيث أن أميركا تجيش دول وشعوب العالم ضدها، وهذا ليس غائبا عن صانع القرار الأميركي ولا أباطرة المال، لأن السيناريو يحتم الذهاب إلى حد إلقاء قفازات الصدمة في وجوه كل العالم وخاصة اقطابه الكبرى، التي تزاحم أميركا على القيادة والنفوذ في العالم، وذلك لإرباكها وشل تفكيرها، والحد من طموحاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
إذًا، الخيار الأميركي إرادي لدفع العالم إلى اتون حرب عالمية جديدة، أو القبول بالشروط الأميركية دون مغالاة في قيمة حصصها من النفوذ في العالم، بمعنى القبول بالفتات، الذي ترضى به أميركا عن طيب خاطر لتقديمه لهذا القطب أو ذاك.
ومع ذلك، فإن المعادلة الأميركية المجنونة لإحداث الفوضى والخلط المتعمد للخارطة السياسية في العالم، ليس بالضرورة أن تنجح، وتحقق الأهداف المحددة. أي ان إمكانية الفشل لخيار الولايات المتحدة، إمكانية واردة ومنطقية، لان المعادلات الداخلية والخارجية لاميركا الشمالية قد تصاب في مقتل نتاج الخطاب الشعبوي العدمي، وبالتالي فإن الحرب على المصالح السياسية الفلسطينية ستفشل إرتباطا بلوحة الصراع الشاملة مع العالم، ولعل انتخاب الرئيس الفلسطيني على رأس مجموعة ال77 والصين يوم الخميس الموافق 27/9/2018 يعتبر مؤشرا إيجابيا على ما ذهبت إليه. وقادم الأيام كفيل بالإجابة على كل ما تقدم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها