أمام حماس ثلاثة مسارات، الأول اتفاق مع الاحتلال على هدنة وتبادل أسرى على حساب المصالحة، أما الثاني فهو تدعيم موقفها باتفاق كهذا قبل الموافقة على الالتزام بتنفيذ ما تم التوقيع عليه مع حركة فتح في أكتوبر الماضي في القاهرة، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من مهامها كاملة في قطاع غزة، أو البقاء كبؤرة توتر كما تريدها طهران بانتظار ما سيحدث خلال الفترة القادمة في ظل تنامي الاشتباك الكلامي بين واشنطن وطهران الذي قد يتطور إلى اشتباك ناري تحتاج فيه طهران إلى إشعال مواقع متعددة في مواجهة المصالح الأميركية في المنطقة وعلى رأسها دولة الاحتلال إسرائيل لكسب مشروعية من نوع ما لمواجهتها مع إدارة ترامب وتوظيف على انه في صلب الصراع لصالح القضية الفلسطينية.
المسارات الثلاثة لا رابع لها، ومن المفترض ان تكون محور جدول أعمال المكتب السياسي لحماس في غزة، وسيتضح المسار الذي ستقبل عليه قيادة حماس بعد مغادرة صالح العاروري نائب إسماعيل هنية قطاع غزة.
أوحى قادة حماس لإسرائيل ولقادة البيت الأبيض بإمكانية التعامل مع التهدئة مقابل انفراجة اقتصادية ثمنها 600 مليون دولار كمشاريع وتشغيل عاطلين عن العمل، وفكرة ميناء لم يتضح بعد مكان مراسيه، وهذا ما دفع قادة من حماس يبشرون بقرب تحقيق أهداف مسيرات العودة؟!!
تحتاج حماس لطعم مغرٍ كهذا، لإقناع المواطنين في القطاع بمعادلة ما يسمونها التضحيات خلال الـ11 سنة الماضية من عمر انقلابهم، والشهور الأخيرة من عمر مسيرات العودة مقابل فك الحصار، لذا نستبعد تراجع قيادة حماس عن جريمة الانقلاب، التسليم للسلطة الوطنية بمقدرات الحكم كاملة ومن دون استثناء، ليس هذا وحسب، بل ستساعدها أية إشارة من البيت الأبيض بإمكانية التعامل معها على حساب منظمة التحرير أو حكومة السلطة، في العناد والتمسك بمواقفها السابقة الرافضة عمليا وفعليا للمصالحة، رغم أقوال قادتها المعاكسة.
تحتاج الإدارة الأميركية، كما يحتاج نظام تل أبيب إلى طرف فلسطيني، قادر على فتح البوابة الموصودة في وجه صفقة القرن الأميركية.. ولكن من داخل القلعة الفلسطينية الوطنية، وعلينا تصور البيت الأبيض في استماتته وحماسته لرؤية الرئيس أبو مازن مغدورا بموقف فلسطيني حتى ولو كان من حماس التي لا تربطهم بها صلة علنية، ولهم منها مواقف مضادة وصلت حد تصنيف الجماعة في قوائمها التي تسميها (قوائم الإرهاب).. وعليه ليس سبقا اكتشاف أن الجماعة في البيت الأبيض كجماعة الإخوان المسلمين، يتخذون (التقية) أي (الباطنية) سبيلا لتحقيق أهدافهم القذرة!
قبل أيام طرحت صحف إسرائيلية احتمال تعاون تل أبيب بصيغة ما مع دول إقليمية لإعادة قطاع غزة إلى السلطة الوطنية، مقابل هدنة مع حماس وتسهيلات اقتصادية وإنشاء ميناء، ويمكننا فهم هذا التسريب الصحفي كإرهاص من أجهزة أمن الاحتلال لتبرير السماح بوصول صالح العاروري إلى غزة رغم أنه على قائمة المطلوبين لديها، ما يعني أن إسرائيل تشجع مداولات المكتب السياسي لحماس ونقاشاته التي قد تسفر بصيغة أو أخرى إلى هدنة معها، وتكون غزة البوابة الكبرى التي تمرر منها صفقة (ترامب اللاانسانية) تحت يافطة الحلول للحالة الإنسانية في القطاع.
نتمنى أن يكذب قادة حماس توقعاتنا وتحليلاتنا، ويفاجئوننا بسلوك وطني ولو لمرة واحدة، عندما نراهم في القاهرة يعلنون إعدام الانقلاب وتبعاته وآثاره، ويطلبون الغفران من الشعب، ويمكنون فعلا حكومة الوفاق الوطني من مهامها كاملة، ويلتزمون بالعمل والشراكة السياسية في إطار الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية، فهذا الأمر إذا صار حقيقة واقعة على الأرض، فإننا نكون بذلك قد وجهنا ضربة قاضية مميتة لصفقة القرن، وأكدنا للعالم أن الشعب الفلسطيني عصي على الانقسام والانفصال، ليت قادة حماس يتنافسون الآن لنيل بعض هذا الشرف الآن قبل فوات الأوان.. فنحن نعلم أن مساراتهم الحالية مفتوحة على إسرائيل، وأن المستفيد منها هي دولة الاحتلال، وإدارة (صفقة المؤامرة) الترامبية فقط.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها