ما فتئت إدارة ترامب ومؤسسة التشريع الأميركية بشقيها مجلس النواب (الكونغرس) ومجلس الشيوخ تطارد الشعب الفلسطيني في أبسط حقوقه الاجتماعية والقانونية والاقتصادية والسياسية، غير عابئة بالمواثيق والقوانين والشرائع والمعاهدات الأممية.
وآخر ما تفتقت عنه عقلية راعي البقر، قاتل الهنود الحمر مشروع اقتراح بادر له السيناتور داغ لامبوران، بعد أن تمكن من تجنيد عشرة نواب يهدف لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، الذين يبلغ عددهم 5,2 مليون لاجئ في داخل فلسطين التاريخية ودول الشتات، وحصر عددهم بحوالي الـ40 ألفا فقط، بذريعة صهيونية أميركية قديمة جديدة، أن صفة اللاجئ تنطبق على اللاجئين الأوائل دون نسلهم وسلالاتهم، في رهان على زوال لاحق للجدود، وبالتالي خلال فترة وجيزة ينتهي هذا الملف جذريا حسب تقديرهم.
مرة أخرى أود التأكيد كفلسطيني وكلاجئ، لا يوجد إنسان فلسطيني أو عربي أو أجنبي يقبل إطلاق صفة اللاجئ عليه، بما في ذلك صفة اللاجئ السياسي، لأن كل إنسان يرغب أن يعيش حيث ولد آباؤه وأجداده، وفي المكان الذي ترعرع فيه، وعاش طفولته بين عوالمه، ونهل معارفه وهويته بين أحضان وثراء مجتمعه ووطنه الأم، وساذج من يعتقد أن إنسانا ما من البشر يرغب بحمل صفة اللاجئ، إلا إذا الإنسان، هو ذاته رغب بالهجرة والابتعاد عن وطنه لإغراض التعلم أو الرزق أو حتى العاطفة الشخصية.
لكن ما تقدم شيء والحقيقة المرة الماثلة في الواقع منذ سبعين عاما شيء آخر، فالآن هناك ما يزيد على ما ذكر أعلاه من اللاجئين الفلسطينيين. وكل مولود جديد لأب فلسطيني لاجئ، هو بالضرورة لاجئ شاء داغ لامبوران أو ترامب أم لم يشاءا. وشاء الكونغرس ومجلس الشيوخ أم لم يشاءا، وأرادت دولة الاستعمار الإسرائيلية أم لم ترد، فهذا هو العدد، وهؤلاء جميعا لهم حق العودة المقدس إلى ديارهم، التي طردوا منها أو طرد جدودهم وآبائهم منها، وهناك مسؤولية أخلاقية وقانونية وسياسية تجاه كل لاجئ فلسطيني من قبل المجتمع الدولي أسوة بكل اللاجئين في العالم بالعودة لديارهم الأصلية. ولا يستطيع أحد التخلي أو الهروب من هذه المسؤولية، إلا إذا كان جزءا من مؤامرة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وكان شريكا في نكبة الشعب العربي الفلسطيني.
وهذا بالضبط هو ما تفعله إدارة الرئيس دونالد ترامب مع غالبية أعضاء المجلسين (النواب والشيوخ) ولوبيات الضغط الصهيونية. ما يضع الولايات المتحدة شريكًا أساسيًا في حرب التصفية، التي تقودها دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وما إقرارها قانون الأساسي "القومية" العنصري التطهيري إلا خطوة متكاملة مع ما تم اتخاذه سابقا منذ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في مطلع ديسمبر 2017 وحتى الآن، أو يجري الإعداد له أميركيا لتوسيع نطاق الحرب على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، وآخرها مشروع قانون المتصهين لامبوران، الذي لن يكون القانون أو الانتهاك الأخير في الحملة الأميركية الإجرامية على القضية الوطنية.
ومع أن القانون لن يقدم، ولن يؤخر في معادلة الصراع المفتوحة بين الولايات المتحدة والقيادة والشعب الفلسطيني، لا سيما أن سياسات أميركا تاريخيا تعكس ذات العداء للمصالح الوطنية، إلا أنها في عهد ترامب بلغت الذروة في فجورها وحربها غير الشرعية، وغير المبررة، والمتناقضة مع ابسط معايير وقوانين وحقوق الإنسان العالمية، وبالتالي التطور الحاصل في درجة العداء، لم يغير في أسس الصراع. ومع أن القيادة والشعب الفلسطيني لا يرغبان، ولا يريدان، ولا يعملان للحظة ضد الولايات المتحدة الأميركية، ولا يريدان سوى علاقات إيجابية تقوم على الندية والاحترام المتبادل خدمة لمصالح الشعبين. لكن هذه الرغبة والطموح الفلسطيني اصطدم ويصطدم بعداء أميركي سافر وغير مسبوق في تاريخ الصراع، ما يعني ضرورة تصعيد عملية المواجهة مع راعي البقر الأميركي، لأنه لم يعد هناك شيء نخسره، ومما يساعدنا في هذا الإطار هو انتفاء الرغبة لدى إسرائيل وأميركا ترامب بالعمل من أجل السلام وفق مرجعياته المعروفة، ليس هذا بل تعملان على تصفية القضية والوجود الفلسطيني من الجذور، وملفات اللاجئين والأرض والقدس تعتبر من أهم الملفات الفلسطينية، دونها لا تقوم قائمة للوجود الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها