سيظل هذا السؤال قائما ومقلقا، ليس فقط على المستوى الفلسطيني، بل على كافة المستويات الأخرى المرتبطة بالقضية الفلسطينية، إسرائيليًّا وعربيًّا ودوليًّا.
قضية بحجم القضية الفلسطينية تحتاج أيضا لرئيس بهذا الحجم. نحن لسنا امام نموذج عادي للرئاسة، كما في أي نظام سياسي آخر. الرئاسة الفلسطينية لها تداعياتها ونتائجها التي لا يمكن حصرها فلسطينيا فقط. ولعل أهمية هذا المنصب باتت مرتبطة بشكل مباشر بمستقبل القضية الفلسطينية، وبالحلول والمبادرات المطروحة.
بإختصار شديد وبكلمة واحد.. المطلوب رئيس سلام ومفاوضات، وهذا ما حدث فعلا مع الرئيس عرفات عندما إعترف بالسلام فاعترف به العالم وتم إستقباله، والشيء نفسه للرئيس محمود عباس. السلام والإلتزام بالمفاوضات شرط من شروط الرئاسة الفلسطينية اكثر من شرط الديمقراطية، هذا ما ينبغي ان يدركه من يسعى ويطمح لهذا المنصب. وبناءا عليه الرئاسة الفلسطينية تستمد شرعيتها أولا من الشرعية الإنتخابية الديمقراطية، وهذا شرط أساسي لإختيار الرئيس، لا بديل لذلك لا التوافق، ولا التعيين. والإختيار هنا يكون بناء على البرنامج السياسي، وقد تكون هذه المشكلة محلولة إلى حد ما بالنسبة للمتنافسين بالتمسك بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير. لكنها مشكلة كبيرة بالنسبة لحركة "حماس" لو فكرت في التنافس على هذا المنصب.
والشرط الثاني الذي ينبغي إدراكه انه رئيس لدولة تحت الاحتلال، ولسلطة ناقصة السيادة، فهو رئيس ببعض الصلاحيات التي لا ترقي لسلطات السيادة.
والنقطة الثالثة أن شرعيته الإنتخابية لا تكفي، فحتى مع الفوز إذا لم تتوفر شرعيات أخرى يبقيه رئيسا حبيسا للمقاطعة، أي مقر الرئاسة، أولا القبول الإسرائيلي، نعم إسرائيل لها رأي في المرشح للرئاسة الفلسطينية، فهي المستهدف المباشر من أي رئيس جديد. وهل هو ملتزم بالسلام والمفاوضات ونبذ العنف أو الإرهاب، أي حسبما تريد إسرائيل وهذا شرط صعب، لكنه قائم حتى لو ضمنيا، إلى جانب ذلك القبول او الشرعية الإقليمية، أي رئيس يحظى بالاعتراف العربي والاستعداد للتعامل معه.
نموذج الرئيس محمود عباس لن يتكرر بما له من وزن تاريخي سياسي ألزم الدول العربية بالتعامل معه وعدم مقاطعته، لكن الأمر سيختلف لمن سيأتي من بعده، قد يواجه صعوبات كثيرة في التعامل مع الدول العربية.
واما الشرعية الدولية فهي الشرعية الرابعة التي لا بد أن تتوفر لمنصب الرئيس، فالقضية الفلسطينية قضية دولية، وتتعامل مع الشرعية الدولية، والأوضاع الدولية ليست كما يريد الفلسطينيون.. تحولات في موازين القوى، وتبدل في التحالفات الدولية، وصراع دولي، وأولويات غير الأولوية الفلسطينية.
هذه الشرعيات الأربع لا بد من توفرها وإلا سنجد أنفسنا أمام نموذج الرئيس المحاصر او المقاطع.
والسؤال هنا ما هي الخيارات لاختيار الرئيس:
أولا الإختيار التشريعي الدستوري، وهذا هو الخيار الأفضل لكن يسبقه التوافق على شخص رئاسة المجلس التشريعي الذي يفترض أن يحكم لستين يوما يكون ملزما بعدها بإجراء الإنتخابات الرئاسية بضمانات دولية وإقليمية. هذا الخيار أعتقد الأمثل والذي قد يخرج الجميع من عنق الزجاجه بسلام. إلا أن إشكالية هذا الخيار انه يحتاج لمرسوم رئاسي يعيد للمجلس التشريعي الحياة السياسية من جديد وهذ مستبعد في ظل الإنقسام.
الخيار الثاني قيام المجلس المركزي بحسم هذه القضية الخلافية باختيار نائب للرئيس إستنادا إن الشرعية الكلية المرجعية هي لنظمة التحرير ومؤسساتها وليس للسلطة، والشرعية تكون بتبعية الجزء للكل، لكن هذا الخيارسيثير الكثير من الرفض وخصوصا من قبل حركة "حماس" وقد تزداد الأمور تفاقما وتعقيدا بإحتمالية تعيين "حماس" لرئيس المجلس التشريعي، وهنا ندخل السيناريو الكارثي القاتل لكل ما تبقى من نبض في الجسد السياسي الفلسطيني المنهك.
اما الخيار الثالث وهو خيار توافقي عربي، بمعنى التوافق على توزيع مناصب الرئيس بين عدد من المرشحين لفترة زمنية محددة يتم بعدها التوافق على الانتخابات. المشكلة الإنتخابات بيئة سياسية شاملة، وتحتاج لتوفير كل الضمانات اللازمة، والبداية برفع كل الإجراءات المفروضة على غزة يضاف التوافق على بنية منظمة التحرير، والتوافق على صيغة سياسية إنتقالية خصوصا بعد إنفتاح حركة "حماس" على الخيارات السلمية وتبنيها كمسيرة العودة.
إلى جانب هذه الخيارات قد أذكر بخيار المحكمة الدستورية وتولي رئاستها للرئاسة في الفترة الإنتقالية، لكن إشكالية شرعية المحكمة وإختيارها ستفرض نفسها.
يبدو لي أن خيار المجلس المركزي هو الأكثر إحتمالا ولهذا السبب تمت دعوة المجلس الوطني، وتم تفويض مهامه للمجلس المركزي، والهدف الرئيس للمجلس المركزي هو إختيار من يخلف الرئيس.
ولنرى ماذا يخفي المستقبل؟ إذا لم يتم حسم هذه المسألة المهمة والتي تمس مستقبل البنيان السياسي الفلسطيني فسيذهب الجميع للطوفان السياسي الذى لن ينجو منه احد. وليتذكر الجميع أننا لم نعد كما كنا بقضيتنا، وليتذكر الجميع أن مرحلة الرئيس محمود عباس، بعد عمر مديد لن تتكرر، وسنذهب لمرحلة سياسية جديدة نفتقد فيها الشخصية الكارزمية التاريخية المؤثرة، مرحلة المؤسسين إلى مرحلة السياسيين
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها