في خضم المساعي الأميركية الحثيثة لفرض رؤيتها السياسية، التي تسمى "صفقة القرن"، والمتناقضة جذريا مع رؤية ومرجعيات عملية السلام والحقوق والمصالح الوطنية العليا، يعود فريق إدارة ترامب الصهيوني بقيادة كوشنر، صهر الرئيس وكبير مستشاريه ومستشاره الخاص لعملية السلام، غرينبلات للمنطقة لزيارة إسرائيل الاستعمارية وعدد من الدول العربية، هي: مصر والسعودية وقطر والأردن في محاولة جديدة من الإدارة الأميركية لتهيئة شروط ومناخات الإعلان عن الطبخة الأميركية الفاسدة. هذا وقد التقى الملك عبد الله الثاني يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن التقى الملك الأردني رئيس وزراء إسرائيل قبل يوم من لقاء الوفد الأميركي.
وفي السياق دعا بوريس جونسون، وزير خارجية بريطانيا لعقد اجتماع أميركي، أوروبي وعربي يضم عددا من وزراء خارجية تلك الدول بالإضافة لكوشنر وغرينبلات لإجراء حوار حول ما يسمى صفقة القرن. لكن حسب الدكتور صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل، لأنه لم يسمع من وزير الشؤون الخارجية البريطاني، الذي التقاه قبل أيام قليلة عن هكذا دعوة.
وبغض النظر إن تم أو لم يتم اللقاء الأخير، فإن الإدارة الأميركية ماضية قدما في فرض خيارها على القيادة الفلسطينية، لهذا تحاول استقطاب بعض العرب لممارسة الضغوط على الرئيس محمود عباس للموافقة المبدئية على التعامل الإيجابي مع مساعيها العدوانية. أضف إلى محاولاتها الحثيثة لحرف مجرى الصراع عن سكة الحل السياسي، عبر محاولاتها الدؤوبة لتكريس تصوراتها العبثية على المشهد الفلسطيني، والعمل على خطين متوازيين، الأول فصل قطاع غزة عن المسألة الفلسطينية برمتها، وكأنه خارج دائرة الكل الوطني؛ الثاني التعامل مع قضايا غزة من الزاوية الإنسانية فقط، وحصرها في تأمين مساعدات مالية عاجلة لبناء محطة توليد للطاقة الكهربائية في الأراضي المصرية المجاورة لحدود القطاع، بالتلازم مع تحويل مطار العريش المصري لاستخدام سكان المحافظات الجنوبية، خاصة أن إسرائيل ترفض إعادة بناء مطار الرئيس الراحل ياسر عرفات جنوب شرق رفح، الذي دمرته في حروبها الأخيرة على قطاع غزة، بالإضافة لتقديم تسهيلات كبيرة للمواطنين من خلال مواصلة فتح معبر رفح البري، وبناء محطات تحلية إضافية للمياه، ومحطات صرف صحي، وغيرها من الإجراءات الخدماتية، وبالمقابل موافقة حركة حماس الانخراط في اللعبة السياسية من خلال "تربعها" على عرش الإمارة الغزية، والتي يمكن في شروط سياسية جديدة إتاحة الفرصة أمامها للتوسع جنوبا على حساب الأراضي المصرية. وهو ما يتطلب من القيادة المصرية الشقيقة التنبه للأخطار المحدقة بالسيادة والأراضي المصرية وقبل فوات الأوان.
ورغم تعقيدات الوضع الفلسطيني الداخلي والخارجي، فإن القيادة الشرعية والنخب السياسية الوطنية والشعب بقطاعاته المختلفة لن تسمح بمرور المخطط الأميركي الإجرامي. وستقف قيادة منظمة التحرير وعنوانها الأول محمود عباس بوجه الطغيان الأميركي الإسرائيلي ومن يلف لفهما، لأنها صاحبة القول الفصل، وهي من تملك القلم، وكونها تمسك بزمام الأمور جيدا جدا، خاصة بعد عقد المجلس الوطني في مطلع أيار/ مايو الماضي. وبالتالي على الإدارة الأميركية مراجعة نفسها جيدا جدا قبل الإقدام على أية خطوة متهورة تجاه ما تطلق عليه "صفقة القرن"، ومن الأفضل لها أن تكف عن إرسال موفديها للمنطقة، لأنها لن تحصد غير الفشل والهزيمة النكراء.
وبالمقابل على الأشقاء العرب جميعا ودون استثناء أن يكفوا عن استقبال ممثلي الإدارة الأميركية، وإن لم يكن بمقدورهم ذلك، عليهم ألاّ يسمحوا لهم بالحديث في الشأن الفلسطيني، ويبلغوهم برسالة واضحة وقوية، عنوانها الأساس "قبل ان تطرحوا أية مواقف بشأن العملية السياسية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، عليكم الحوار أولا وثانيا، وعاشرا مع القيادة الفلسطينية، صاحبة الولاية والقول الفصل في هذا الشأن"، هذا إن كان الأشقاء العرب جديين في التمسك بمبادرة السلام العربية، وباعتبارهم القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية.
مرة أخرى وبغض النظر عن مواقف الدول الشقيقة، التي أعتقد انها لن تتجاوز الخطوط الحمر الفلسطينية، فإن زيارة المبعوثين الأميركيين كوشنر وغرينبلات مصيرها الفشل المحتوم، وليتذكروا ان القضية الفلسطينية أخطر من الملفات والمفاعلات النووية في كوريا وإيران على حد سواء، ولن يكون مآل تحركهم بأفضل حال من كل المؤامرات والمشاريع، التي طرحت خلال السبعين عاما الماضية من تاريخ الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي، لأنها جميعها تحطمت أمام إرادة الشعب العربي الفلسطيني وقواه الوطنية وبدعم من الأشقاء العرب والأصدقاء الأمميين في العالم. لذا ليتعظوا ويأخذوا العبرة جيدا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها