يزور سيادة الرئيس أبو مازن لبنان وعلى جدول الأعمال قضيتان جوهريتان، الأولى هي التنسيق مع لبنان في الجهود المبذولة لطلب نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في الرابع من حزيران العام 1967، كون لبنان يرأس مجلس الأمن في شهر أيلول. أما القضية الثانية فهي قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتحديداً أوضاع المخيمات، وخصوصاً قضيتي الحقوق المدنية والاجتماعية، وقضية السلاح. في القضية الأولى حصل الرئيس محمود عباس على الدعم الكامل للطلب الفلسطيني من الأمم المتحدة، ترجم لبنان هذا الدعم عملياً برفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفارة، وهذا ما أسهم في تعزيز الحوار اللبناني الفلسطيني حول القضايا الجوهرية بروحية التعاون، والتفاهم، والشفافية، والثقة.

الرئيس أبو مازن كان واقعياً وموضوعياً، وحريصاً على أن يضع العلاقات الفلسطينية اللبنانية في إطارها السليم بعيداً من الهواجس والمخاوف والتوترات، وأيضاً قطعَ الطريق على محاولات زج الفلسطينيين في صراعات مفتعلة، ومشاريع مشبوهة تصبُّ في صالح الأطراف المتضررة من استقرار المخيمات، ومن حسن سير العلاقات الأخوية اللبنانية الفلسطينية.

والرئيس مؤمنٌ بأنَّ التعاون والتنسيق هو الذي يؤمِّن الاستقرار والأمان للاجئين الفلسطينيين في لبنان في إطار السلم الأهلي اللبناني. وعلى هذه الأرضية تمت معالجة القضايا التي أثارها الجانب اللبناني، وخاصة موضوع السلاح.

 إن مسؤولية قيادات الفصائل الفلسطينية هي صيانة وحماية الأهداف السامية من وجود السلاح، لأنه سلاح ذو حدين، فإما أن يكون لخدمة الوطن والمواطن، والحفاظ على أمن المخيمات، والتصدي لكل محاولات التخريب والإساءة للثورة وتاريخها، وإما أن تفقد قيادة الفصائل السيطرة ويتحول السلاح إلى أداة تخريب وتوتير بأيدي الخارجين على الإجماع الوطني الفلسطيني، وأصحاب السلوك العبثي.

السلاح باستمرار هو وسيلة وليس غاية، واستخدام هذه الوسيلة يتطلب خطة أمنية اجتماعية مُحْكَمة يأتي السلاح أداةً من أدوات إنجاح الخطة، فالعقل المدبِّر هو الأساس، وهو الضمانة المطلقة لصوابية القرار المنشود. من هذا المنطلق تعمَّد سيادة الرئيس أبو مازن معالجة موضوع المخيمات وسلاح المخيمات، واضعاً الأسس القوية لتمتين العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وهذا ما كرره في تصريحاته وكلماته في لقاءاته مع القيادات اللبنانية أثناء زيارته الأخيرة. وبالإمكان تلخيص هذه القضايا على النحو التالي:

أ‌- إنَّ الوجود الفلسطيني في لبنان مؤقت، وهم ضيوف لحين العودة وتطبيق القرار الأممي 194. وهذا يعني حكماً رفض التوطين، وهذه رسالة واضحة إلى القيادات اللبنانية التي ما زال بعضها يشكك في سلامة الموقف الفلسطيني.

ب‌- مطالبة القيادة اللبنانية بمنح الفلسطينيين الحقوق الاجتماعية والمدنية حتى يعيشوا بكرامة، رافضاً حجة البعض بأنَّ منح هذه الحقوق سيساعد على التوطين. فالشعبُ الفلسطيني بوعيه الوطني، وخياره السياسي، وأعماق وجدانه متناقض مع مفهوم التوطين، وهو منذ البداية متعلق بالأرض، والوطن، والمقدسات.

ج‌- إنَّ الوجود الفلسطيني في لبنان يخضع لضوابط احترام سيادة لبنان على أراضيه، كما أنه يخضع للقانون اللبناني، ولا يتعدى كون الفلسطينيين ضيوفاً قسريين مؤقتين.

د‌- اعتبر الرئيس أبو مازن أن حماية الفلسطينيين في لبنان هو واجب لبنان رئيساً، وحكومة، وجيشاً، وشعباً، والسلاح الموجود في المخيمات هو بعلم السلطات اللبنانية ولا يعني إطلاقاً التمرد على السلطات اللبنانية، والفلسطينيون يرفضون استخدام هذا السلاح في الخلافات اللبنانية الداخلية وحاجته الأَساسية هي ضبط الأمن داخل المخيمات، ومقاومة أي عدوان عسكري إسرائيلي على لبنان، ويتم ذلك طبعاً في إطار التفاهم والتنسيق مع القيادات اللبنانية المعنية.

كما أنَّ إعلان الرئيس أبو مازن بأنه "لا يوجد سلاح فلسطيني لحماية الفلسطينيين في لبنان" يعني أننا كفلسطينيين في لبنان لسنا في حالة عداء أو حرب مع السلطات اللبنانية، وإنما نحن ضيوف، ونخضع لسيادة الدولة، ولا يمكن السماح باستخدام سلاح المخيمات في أية إشكاليات، لأنَّ صيغة التفاهم التي تم إقرارها حول تشكيل لجنة لبنانية فلسطينية لمعالجة القضايا الخلافية هي الصيغة الأمثل والأرقى لتفويت الفرصة على  أصحاب المشاريع المشبوهة.

ه‌- سيادة الرئيس أبو مازن ردَّ على المشككين بنوايا السلطة الوطنية والهدف من وجود السفارة، وكيفية التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبالتأكيد فإن السلطة الوطنية لن تعطي اللاجئين في لبنان أجوزة سفر، لأنَّ الجواز يصدر عن دولة، وبالتالي فإن إسرائيل لا تسمح الآن بإصدار الأجوزة.

ومن المهم الإشارة إلى أنَّ للسفارة دوراً مؤثراً ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي، والتنسيق في الموقف السياسي، وإنما هناك قضايا تخصُّ اللاجئين تحتاج إلى متابعة مع الدولة اللبنانية مثل قضية فاقدي الأوراق الثبوتية، وما يترتب عليها من معاناة اجتماعية وقانونية تتعلق بتثبيت الزواج، والنسب، والتسجيل في الجامعات، والتحرك على الحواجز.

أيضاً هناك فئة أل (NR) وهم غير المسجلين لأسباب تتعلق بخروجهم المتأخر من فلسطين بعد رفض الاحتلال منحهم البطاقات التي تسهِّل إقامتهم.

و‌- إنَّ ما طرحه فخامة الرئيس ميشال سليمان من ضرورة تطبيق مقررات الحوار الوطني، وما أكدت عليه هذه المقررات لجهة إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات هو منطق سياسي يتوافق مع المنطق الذي سبق أن أقرته منظمة التحرير الفلسطينية، والتزام القيادة الفلسطينية بما تقره طاولة الحوار اللبناني اللبناني.

الذي لا يمكن تجاهله هو أنَّ الفلسطينيين في لبنان ليسوا هامشيين في تاريخ القضية الفلسطينية، فمن مخيماتهم انطلقت الثورة، وجدران منازلهم ملأى بصور شهدائهم، ولكل شهيد قصة وسيرة، هم الذين حملوا أعباء الثورة سنوات طويلة وشاقة، ودفعوا الثمن وما زالوا. وهذا يعني أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليسوا كمَّاً ينْتظِر التوطين أو التهجير. إنهم في طليعة الشعب الفلسطيني المؤهَّل لصناعة مستقبل الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره. ما يطلبه الشعب الفلسطيني في لبنان أن تُوفَّر له الظروف المناسبة لمواصلة دوره الملتزم بقضاياه الوطنية وخاصة موضوع حق العودة الذي يستند إلى القرار 194. القيمة الفعلية للفلسطينيين في لبنان تتجسَّد في دورهم الريادي المتجدد والمستمر، وهذه مهمة وطنية وقومية لا مساومة عليها، فالفلسطيني في لبنان لا ينتظر التوطين، ولا مزيداً من التموين، وإنما هو حالة كفاح وطني من أجل العودة، والدولة، والاستقلال، وتحرير المقدسات.