إن الحراك العربي في أكثر من دولة إما يتعثر أو يتطاول فيه الظلم فيتحول إلى مجزرة رمضانية يومية وربما تكون احتجاجات بلا عيد أيضا، وهذا الحراك المقدر له أن يكون ثورة ضد الفساد والظلم والجبروت قد أعاد إنتاج نفسه حتى في داخل الدولة العبرية.

تخوف العديد من الساسة والمفكرين اليهود من الحراك العربي، ثم الاسرائيلي العارم فأملوا ألا يستمر ويتسع، وخافوا أن يعكس ذاته على مصالحهم في استنزاف ميزانية الكيان في جيش العدوان الصهيوني وفي الحروب وتواصل الاحتلال و أيضا في استمرار جريان سيل الأموال للتنمية الاقتصادية السياسية المتحالفة مع العسكر، وكان لتخوف هؤلاء مبرره فعندما يتحرك الناس في وجه الساسة الذين ينأون بأنفسهم عن تحقيق العدالة فإن سيلا عارما قد يتدفق من النهر.

بضع خيام انتشرت في تل أبيب سرعان ما تكاثرت وازداد المحتجون إلى أن وصلوا ما يقارب النصف مليون في محاولة لبلوغ المليونية اقتداء بما حصل ويحصل في مصر فهل يستطيعون ذلك ؟ وهل يستطيعون فرض مطالبهم (الاجتماعية) حتى الآن؟ وهل تستغل تحركات المحتجين من الشباب الساسة وغيرهم؟

يحكم الشارع الإسرائيلي اليوم بحسب الخبراء في الوضع الإسرائيلي من خلال 3 مكونات الأول: هو الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش وهي الأجهزة المتحالفة مع السياسيين ، وثانيا من خلال رؤوس الأموال التي قد تتبادل ادوار حكم الشارع مع المافيا الروسية، أما ثالثا فإن (المتدينين) من الإسرائيليين الذين يجلسون بلا عمل ويتجبرون على الدولة العبرية والعلمانيين ويتحكمون بها باسم التوراة، وعلى قلتهم فانهم يستنزفون موارد الدولة (كما يستنزفها الاحتلال وكما تستنزفها المستوطنات على الأقل بحسب كل من عاموس عوز، وموفاز).

وهذا الحكم الثلاثي في الكيان وضع الطبقة الوسطى والشباب في حالة مادية سيئة إذ أن أكثر من 60% من الشباب لا يكفيهم معاشهم حسب الإحصائيات الإسرائيلية، ومع تفاقم الاحتياجات فإن 90% من الشارع الإسرائيلي بات مؤيدا لها.

أكثر من 25%من الميزانية تذهب للجيش الصهيوني، والمستوطنات في الأراضي المحتلة استهلكت حتى الآن أكثر من مائة مليار دولار لذا فهي من العوامل المؤثرة بالاحتجاجات التي لا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصناعي الضخم أن يستوعبها ولا مليارات المساعدات الأمريكية السنوية.

يمكننا أن نرصد ثلاث فئات تعاملت مع الاحتجاجات الاسرائيلية غير المسبوقة أولاها المحافظة واليمينية التي وقفت ضدها خوفا على الدولة والنظام ومصالحهم المتنامية، والثانية: الفئة التي وافقت على طلبات (الثوار) أو المحتجين (لا يستخدمون مصطلح انتفاضة مطلقا) ولكن في سياق أن تبقى في حدودها الاجتماعية الاقتصادية أما الفئة الثالثة فهي التي استغلت الاحتجاجات سلبا أو إيجابا حيث وقع 42 عضو كنيست على مقترحات منها أن الحل يكمن في البناء بالمستوطنات بينما في المقابل توصل عدد من الساسة والكتاب إلى أن الاحتلال والاستيطان هما من مسببات هذه الأزمة.

وبغض النظر عن المسببات العميقة في المجتمع الإسرائيلي المشرذم والمفتت ومتعدد الثقافات والخلفيات الاثنية التي لم تستطع أن تنصهر معا، فإن صحوة الناس ضد تردي أحوالهم المعيشية وبهذا الزخم سيكون وراءها ما وراءها على صعيد الحكم وشكل النظام، وهي فرصة قد لا تعود إلا بعد عقود.

ان تواصلت هذه (الثورة) كما أسماها بعض الكتاب الاسرائيليين وأسرة صحيفة (هآرتس=الأرض) وهي ليست فقط اجتماعية اقتصادية بل سياسية بامتياز، فانها قد تطيح بالحكومة الحالية، وسترسم علامات استفهام على الحكومة القادمة، كما تجعل من أعضاء الكنيست والحكومة الصهيونية يتراجعون الى الخلف قليلا ويقللون من غلوائهم وجبروتهم ضدنا كشعب فلسطيني ووطن محتل، وحتى ضد الاسرائيليين بقوانينهم العنصرية الأخيرة على سبيل المثال.

   وحقيقة التغيير في الكيان الاسرائيلي التي يجب أن نسهم بها كفلسطينيين هي بترك الحراك الاسرائيلي يتفاعل ثم بالإرادة الفلسطينية والخطة الواضحة والحراك السياسي المتكامل تنظيميا، وبالمقاومة الشعبية المتواصلة، وأيضا بالتغيير في العقول عقولنا، وعقول أعدائنا التي أحد أبرز ميادينها الإعلام بكافة أشكاله وبالحراك العلني.