سيادة الرئيس أبو مازن سيزور لبنان بدعوة من شقيقه فخامة الرئيس ميشال سليمان. زيارة الرئيس الفلسطيني أبو مازن ليست زيارة روتينية بل هي تدخل في معالجة عمق العلاقات القائمة بين الشعبين. إنها تأخذ طابع الجدية المطلقة، والمصارحة في الموضوعات الدولية والعربية، وعلى وجه الخصوص ما يعني القضية الفلسطينية، وملفات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. أقول أَنَّ الزيارة على جانب كبير من الأهمية لأسبابٍ عديدة أبرزها:

 

أولاً : أنَّ القضية الفلسطينية تعيش ظروفاً إستثنائية بكل ما في الكلمة من معنى، فالقيادة الفلسطينية أخذت قرارها الواضح والثابت والمدروس بالتوجه إلى الامم المتحدة في شهر أيلول لطلب نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي المحتلة في 4/6/1967 وعاصمتها القدس الشريف. هذا التوجه إلى الامم المتحدة يلقى معارضة ومواجهة حادة من قبل الولايات المتحدة واسرائيل واللتين تريدان إعادة القيادة الفلسطينية إلى التفاوض دون مرجعية دولية، ودون وقف الاستيطان، ودون سقف زمني، وهذا ما ترفضه القيادة الفلسطينية التي تعلن صراحة أن خطوتها الحالية ليست ضد المفاوضات كمبدأ، فإن القيادة الاسرائيلية بتطرفها وعنصريتها هي التي أوقفت المفاوضات، وأنهت عملية السلام، وقد تمَّ ذلك بدعم واضح من الموقف الاميركي الذي وقف عاجزاً عن فرض الشروط الحقيقية على القيادة الاسرائيلية. فالقيادة الفلسطينية تحتاج إلى حالة إجماع عربية رسمية وشعبية تتناسب مع الحدث الدولي القادم.

 

ثانياً : إنَّ لبنان سيكون رئيس مجلس الأمن في دورة أيلول القادمة، وسيكون له دور مهم في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني المطروح على مجلس الامن وعلى الجمعية العمومية، ومن أجل ذلك كانت الدعوة وتمت الزيارة إنطلاقاً من الحرص العربي على نجاح القضية الفلسطينية. وقد سبق للجامعة العربية أن ألزمت نفسها ببرنامج دبلوماسي وسياسي وقانوني عبر اللجان التي تم تشكيلها لمتابعة موضوع

 

 

نيل الاعتراف.

ثالثاً:  تكتسي زيارة الرئيس أبو مازن أهمية خاصة كونه يرأس الشعب الفلسطيني الذي يخوض أهم وأطول وأشرس ثورة معاصرة، والقضايا التي سيناقشها بالتأكيد ستتناول ملفات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سواء ما يتعلق بالحقوق المدنية والاجتماعية، وخاصة حق العمل وحق التملك، كون هذه القضايا جوهرية وتعني الوجود الفلسطيني في لبنان، وسبق لها أن أُثيرت في البرلمان اللبناني لكنها لم تعالج القضايا بالشكل المطلوب مع أن الاطراف الفلسطينية اعتبرت أنَّ ما أعلنته الحكومة هو خطوة على الطريق، وخطوة يُمكن أن يُبنى عليها.  بالتأكيد ستتم مناقشة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان من كافة جوانبها وخاصة العلاقة مع الدولة لضمان الجانب الأمني في المخيم والجوار اللبناني، لأنَّ القيادة الفلسطينية تعتبر السلم الأهلي اللبناني يخدم الأمن اللبناني والفلسطيني، وبالتالي يحافظ على العلاقة بين الشعبين اللذين كانا وما يزالان في الخندق الأول المواجه للاحتلال الاسرائيلي ومخاطره.

رابعاً:  ما زالت قضية إعادة إعمار مخيم نهر البارد بطيئة وبشكل ملحوظ، ومهددة في أي لحظة بالتوقف نظراَ لعدم توفير الاموال اللازمة التي وعدت بدفعها الدولُ العربية.  وهذا التأخير قد يزداد تعقيداً فيتحول الأمر إلى تعطيل.  وأي تأخير أو تعطيل يدفع ثمنه أهالي مخيم نهر البارد الذين ما زالت غالبيتهم الساحقة تعيش في تجمعات مأساوية، وبعضها لا يصلح للسكن، وهناك معاناة إجتماعية، وصحية، وبطالة بنسبة عالية، إضافة إلى الإجراءات الأمنية الموجودة على مداخل المخيمات، والعزلة التي يعيشها الأهالي في المخيم الجديد وهو المنطقة المجاورة للمخيم القديم، وأرضه مملوكة لأصحاب البيوت، أي أن الانروا لا تعتبر نفسها معنية بشكل رسمي بتقديم خدمات لهذا المخيم الجديد، وانما فقط لأهالي المخيم القديم.

المفترض أن يكون لزيارة الرئيس أبومازن التأثير الايجابي والمهم في تمتين العلاقات الأخوية اللبنانية الفلسطينية، واكثر من ذلك أن ينتج عن هذه الزيارة تحريك الوضع الفلسطيني في إطار برنامج داعم للقيادة الفلسطينية في توجهها إلى الجمعية العمومية، إذ إنَّ لبنان كان ومازال يحتلُّ المقدمة في الحراك الشعبي الواسع تجاه القضية الفلسطينية . ففي شوارعه وساحاته كانت دائماً تلتقي جموع المخيمات مع جموع المدن اللبنانية ، ويظلل هذه الجموع العلمان اللبناني والفلسطيني، والشعارات كانت باستمرار تنطلق من المنطلقات الوطنية والقومية المشترَكة كون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للامة العربية والاسلامية.

 

نحن الفلسطينيين في لبنان نرحب بزيارة سيادة الرئيس أبو مازن إلى لبنان لأنها بالتأكيد ستفتح آفاقاً واسعة في العلاقات الأخوية، وستُسهم إلى حد بعيد في تثبيت قواعد هذه العلاقات بما يخدم أمن لبنان وسيادته من جهة، وما يدعم القضية الفلسطينية من جهة ثانية.

ونحن في لبنان ما زلنا على مواقفنا الثابتة: نرفض التوطين ونصرُّ على حق العودة استناداً إلى القرار الدولي 194، ونحترم سيادة لبنان ولا نتدخل في شؤونه الداخلية، ولسنا طرفاً في أية خلافات داخلية. ونحن نؤمن بضرورة إتمام المصالحة الفلسطينية كمقدمة لتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، من أجل أن يكون هناك تعايش وطني واجتماعي في المخيمات يساعد على القيام بالدور الوطني المطلوب تجاه القضايا المركزية والجوهرية.

 

حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح

مفوضية الاعلام والثقافة – لبنان

الحاج رفعت شناعة

14/8/2011