واضح جدا، أن إسرائيل تقرأ ما يجري في المنطقة والعالم على طريقتها الخاصة، وأن نتنياهو على رأس الائتلاف الحالي يرى أن الوضع الإقليمي والدولي في هذه المرحلة مناسب جدا لإسرائيل لكي تفرض الوقائع التي تريد وخاصة في موضوع الاستيطان – أي الأرض – وأكثر خصوصية في موضوع القدس التي هي عنوان القضية وجوهر الدولة الفلسطينية الموعودة.

حكومة نتنياهو مررت قرارا ببناء ألف وستمائة وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية، ردود الأفعال السياسية التي صدرت عن الأمم المتحدة، وعن الاتحاد الأوروبي هي الشعور بالقلق، وبأن هذا القرار الإسرائيلي غير قانوني، بينما الموقف الأميركي استخدم لغة مختلفة أقل حدة للتعبير عن نفس المعنى، بينما الموقف الروسي كان أكثر وضوحا في رفض هذا القرار الإسرائيلي

السؤال هو، ماذا سيفعل المجتمع الدولي إزاء هذا الاستفزاز الإسرائيلي، وخاصة بعد أن اتضح أن ائتلاف نتنياهو الحالي لا يملك أهلية القيام بأية خطوة إيجابية، ولا يملك سوى الهروب إلى الأمام، وأن نتنياهو الواقع تحت كابوس الخوف من انتخابات مبكرة، يقدم رشوة واضحة لليمين الإسرائيلي بكل أجنحته، والرشوة هي المزيد من سرقة الأرض الفلسطينية التي من المفترض أن تقام فوقها الدولة الفلسطينية، أي أن الرشوة التي يقدمها نتنياهو للطرف الإسرائيلي تعني أيضا الرفض العلمي الواضح لفكرة الدولة الفلسطينية، كل هذا يحدث على أبواب استحقاق أيلول، والغريب أيضا أن إسرائيل التي تقوم بجنون الاستيطان، وتواصل هذه السياسات الاستباقية والأحادية لفرض الأمر الواقع الذي تريده، تواصل في نفس الوقت الصراخ بصوت عال ضد القيادة الفلسطينية بأنها بذهابها إلى الأمم المتحدة من جانب واحد تقوم بعزل إسرائيل وتريد نزع الشرعية عنها في المنطقة الدولية !!!

هذا المنطق المقلوب الذي تستخدمه إسرائيل لتبرير سياساتها الاستيطانية الشاذة يستند إلى عامل تقليدي وهو الانحياز الأميركي إلى إسرائيل، فإن الولايات المتحدة لا تراعي لنفسها هيبة أو مصداقية، وتنحدر إلى ازدواجية المعايير بشكل مكشوف !!! كما أن إسرائيل تستند إلى معرفتها الأكيدة بأن الوضع العربي كله غارق حتى أذنيه في دوامته الخاصة التي لم تنجح حتى الآن في الخروج منها، بل الأمور تنزلق أكثر وأكثر نحو هاويات العنف والخراب، وأن جنين التغير السلمي والديمقراطي في المنطقة لم يتخلق بعد، وأمامه مخاض عسير حتى يولد بشكل نهائي، فسوريا تغرق في الدماء أكثر فأكثر، وليبيا بين كر وفر يتم تدميرها بشكل منهجي ويصبح التقسيم فيها نتيجة لا مفر منها، ومصر التي هي أكثر سيطرة من غيرها على مجرى الأحداث بفعل جيشها وقوته وترابطه تكتشف في حمى الأحداث أن صحراء سيناء التي مساحتها أكثر من ستين ألف كيلو متر مربع والمحاذية للدلتا والمفتوحة على البحرين الأحمر والأبيض عرضة لرهانات خطيرة جدا، من بينها أن تكون مقبرة القضية الفلسطينية !!!

و هكذا فإن إسرائيل رغم أنها غارقة في مشاكلها، وأنها تنفضح أكاذيبها وتتهاوى أساطيرها الزائفة، تراهن على نفاق المجتمع الدولي في ظل قيادة الولايات المتحدة للنظام الدولي الحالي !!! كما أن إسرائيل تراهن على غرق الوضع العربي في طوفانه المستمر دون أن يتبلور شيء محدد حتى الآن !!! ورهان إسرائيل هو السباق مع الوقت لفرض الحقائق، وأهم الحقائق هي المتعلقة بالأرض أي الاستيطان، لأن الاستيطان لا يكفي باغتصاب الأرض وإنما يسعى إلى تهويدها أيضا

استحقاق أيلول في جوهره هو كسر الاحتكار الأميركي لرعاية عملية السلام، فتلك الرعاية، منحازة وغير عادلة ومعادية أيضا !!! كما أن استحقاق أيلول يريد أن يدخل المجتمع الدولي طرفا مباشرا في هذه القضية المزمنة، ويريد أن يغير قواعد الصراع مع إسرائيل، لأن إسرائيل تصارعنا منذ عقود على معاييرها هي، ومعايير إسرائيل تعني بالنسبة لها التسليم بأكاذيبها، والتعاطي مع هذه الأكاذيب كما لو أنها حقائق مقدسة.

مطلوب من المجتمع الدولي أن ينجح في اختبار أيلول، لأن بقاء التوازن القائم حاليا على حاله يكبد العالم خسائر فادحة، وينذر بحدوث كوارث كبرى، ولعل الاضطراب الشديد في السلم العالمي، وأزمات الاقتصاد الكبرى، وظهور نماذج الإرهاب داخل الغرب نفسه، كل ذلك يشير بوضوح أن المجتمع الدولي بحاجة إلى قواعد جديدة للعمل، ونجاحات جديدة يحرزها في القضايا الكبرى المعقدة وعلى رأسها القضية الفلسطينية !!!

فهل القلق الذي عبرت عنه الكثير من القوى الدولية في وجه قرارات الاستيطان الإسرائيلي، يتحول إلى أفعال ومواقف وقرارات أم يظل مجرد كلام ؟

هذا ما سوف نراه في أيلول القادم.