جاءت مراجعة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أثناء مشاركته في ندوة "التحولات في الحركات الاسلامية"، التي نظمها مركز الجزيرة للابحاث والدراسات يومي 24 و25 أيلول الماضي مثيرة للجدل، لانه اجتزأ الوقائع، وابتعد عن الحقائق او أسقط مواقف رغبوية في قراءة التحولات داخل الحركات الاسلاموية في سنوات الربيع العربي وعلى حركته بالتحديد، وألبس تلك الحركات ما ليس فيها من سمات وقيم وممارسات، ولن يكون ما لم تغير مركباتها العقائدية والسياسية والاعلامية /التربوية والسلوكية تغيرا جذريا.

لكن قبل مناقشة نواقص مراجعة ابو الوليد، تجدر الاشارة إلى الاقرار، بأن اعترافه ببعض النواقص في تجربة تنظيم الاخوان المسلمين وحركته حماس، يحمل بعدا إيجابيا حتى لو كان شكليا وآنيا. لان  مجرد الاعتراف بها، يحمل في طياته نافذة صغيرة نحو فضاء اوسع يمكنها ان تسهم في تجديد وعي الاجيال الجديدة المنضوية في أطر تلك الجماعات، ونقلها من حالة رفض الآخر إلى إمكانية التعامل معه. وفي هذا النطاق، يقول مشعل تحتاج الحركات الاسلامية إلى "قراءة واقعنا بصورة دقيقة، وتقبل فكرة الانفتاح والتغيير دون فقدان اصالتنا ومبادئنا." ليس هذا فحسب، بل انه ذهب ابعد من ذلك، حين أكد على وجود "خلل ونقص في تعامل الاسلاميين مع شركاء الوطن". وتابع محملا جماعة الاخوان المسلمين بمن فيهم حركة حماس المسؤولية عن ذلك، لانهم "بالغوا في الرهان على القوة الذاتية والشعبية في الشارع". وشدد "على ضرورة ان يتقبلوا نقد الاخرين لهم".  واعتبر مشعل ان التحدي الاكبر"امام الاسلاميين يتمثل في القدرة على الحفاظ على الشراكة مع الغير".

النقاط الواردة اعلاه في مراجعة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مهمة جدا. وتشكل نقلة نوعية في حال أخذت انعكاساتها في الممارسة العملية، وتم نقلها من حيز التنظير إلى رحابة الواقع. غير أن ما يثير الشك في ما جاء على لسان القائد الحمساوي، اولا- انها تأت عشية مغادرته موقعه كرئيس للمكتب السياسي. ثانيا- لان هذه المفاصل لم تجد صداها في واقع تجربة حركته الانقلابية. ومازالت "حماس" تمارس على الارض في محافظات الجنوب ذات السياسيات الاقصائية والانقلابية، رافضة للشراكة السياسية وقبول الاخر، وترفض التداول السلمي للسلطة، ولم تمنح حكومة التوافق الوطني الحد الادنى من ممارسة دورها في القطاع؛ فضلا عن تفردها في سن قوانين وضرائب واشتقاق سياسات لا تمت للمصالح الوطنية بصلة، وتتناقض مع روح القانون الاساسي. ويقوم قادتها صباح مساء بالتحريض على الآخر وخاصة قائد الشرعية الوطنية، ورئيس حركة فتح، الرئيس محمود عباس. ثالثا- من الواضح ان هذه الافكار، لم تأت نتيجة مراجعة جادة واستراتيجية، بل تحت ضغط الظروف القاسية، التي اوقعت جماعة الاخوان المسلمين بما في ذلك حماس نفسها فيها نتاج سياساتها وانتهاكاتها الخطيرة لمصالح الشعوب والاوطان.

أضف لما تم استنتاجه، لو توقف المرء امام النواقص والاسقاطات الرغبوية الارادوية، سيجد ان ما تقدم من افكار تتناقض مع ما سيتم عرضه، فيقول مشعل، ان حركة حماس "دفعت ثمنا باهظا، لانها لم تقف مع من يطعن الشعوب؟" مع اي شعوب وقفت جماعة الاخوان وحركة حماس؟ ويتابع قلب الحقائق والتجني عليها، حين يعلن بشكل سافر ان حماس "لا تتدخل في الصراعات في المنطقة". إذا من الذي تدخل مع تنظيم "النصرة" في سوريا، ومع مكتب الارشاد في المقطم في مصر؟ ومن الذي شارك في فتح السجون المصرية؟ ومن كان رأس حربة لتنظيم الاخوان الدولي في شق الساحة الفلسطينية، كمقدمة لدورها الاوسع في الدول العربية، التي تتعرض منذ مطلع 2011 لعمليات ارهابية وحروب اهلية خدمة لاهداف واجندات اقطاب دولية وقوى اقليمية اسلامية؟

ما تقدم ليس شيئا امام قوله ان "الاسلاميين يؤمنون بالديمقراطية ويمارسونها". عينك عينك يقلب الحقيقة ويتنكر لها. ويضيف أن حركة حماس "تعلمت من الدروس (كيف؟) واعتبرت بما حدث في الداخل والخارج". ما هي معايير ودلالات التعلم والدروس والعبر، التي عكستها في الواقع؟ وتابع مناقضا نفسه، عندما اعتبر ان التحدي الاكبر هو القبول بالاخر وبالشراكة، فيقول ان "حركته قدمت الكثير من التنازلات من اجل الصالح الفلسطيني" اين هي؟ وما هي تلك التنازلات؟ هل طويت صفحة الانقلاب؟ هل قبلت حماس باجراء الانتخابات المحلية والبلدية ام وضعت الاسافين في طريقها؟ وهل قبلت بالديمقراطية؟ واين ملامحها؟ وما هي انعكاساتها في الواقع؟

للاسف جاءت مراجعة مشعل ناقصة ومتناقضة، وعكست عمق ازمة الرجل وحركته وجماعة الاخوان المسلمين عموما، التي تعيش مرحلة ضبابية ومشوشة نتيجة الانهيارات الكبيرة في مؤسساتها التنظيمية وسقوط مدو لعقائدها وسياساتها بعد افتضاح شراكتها للولايات المتحدة على تمزيق وحدة الدول والشعوب العربية، ولعبها دور القوة التنفيذية على الارض في تمزيق فلسطين الواقعة تحت نير الاحتلال الاسرائيلي والدول العربية الاخرى. كنت اتمنى لو جاءت مراجعة جادة وصادقة وجريئة، لكان امكن ابو الوليد فتح الباب واسعا امام المصالحة الوطنية. لكنه للاسف لم يتمكن من الخروج من عباءة الفكر والممارسة الاخوانية، التي تقول الشيء ونقيضه، وتتجنى على الواقع والحقائق.