بقلم: رفعت شناعة

اشتدَّت الهجمة الشرسة التخوينية والتحريضية منذ 30\9\2016 ضد رئيس دولة فلسطين، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقائد حركة "فتح" بإجماع المؤتمر السادس، وذلك بسبب قراره بالمشاركة في تشييع شمعون بيريس بناء على دعوة وُجِّهت إليه من أسرته.

ونحن في حركة "فتح" لا نستغرب مثل هذه الحملات الإعلامية والتي جرت سابقاً في كثير من المحطات السياسية، ولكن سرعان ما تنجلي الأمور. ونحن في حركة "فتح" لا نعترض، ولا نرفض حرية الرأي والتعبير التي تتميَّز بالموضوعية والاقناع، والحوار المسؤول وذلك ضرورة في الساحة الفلسطينية فنحن لسنا فصائل نسخة طبق الأصل، وهذا التنوُّع هو ما يميّز الساحة الفلسطينية عن غيرها، ولكننا نعترض على استخدام مصطلحات التخوين والتشهير والتحريض، والاساءة المتعمَّدة، لأن ذلك يسيء العلاقة في الساحة الفلسطينية، ولا يخدم سوى من كانت لديه الرغبة في تمزيق المجتمع الفلسطيني، فهناك أطر فلسطينية قائمة، ومن خلالها يمكن مناقشة كافة القضايا الداخلية، والتوصُّل إلى حلول تخدم المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، هذا طبعاً إذا كانت النيات سليمة، والأهداف نبيلة، وأمام هذا الواقع، ومن باب التوضيح وليس من باب المناكفة فإننا نؤكد الحقائق التالية:

أولاً: إنّ الرئيس أبو مازن الذي شارك في تشييع جثمان شمعون بيريز علناً وليس سراً، فوق الطاولة وليست تحت الطاولة، وبعيداً عن أية صفقة سياسية، هو نفسه رئيس دولة فلسطين الذي ألقى خطاباً تاريخياً على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وفيه أكّد مجمل الثوابت الوطنية، وفيه أيضاً خاطب العالم بأسره بجرأة متناهية وقال لبريطانيا عليكِ أن تعتذري للشعب الفلسطيني بسبب وعد بلفور المشؤوم، وعليكِ أن تعترفي بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.

كما أنه خاطب قادة العالم في الأمم المتحدة قائلاً: عليكم أن تعيدوا قراءة القرار 181 الذي قدّم لإسرائيل دولة على أرضنا التاريخية، وحرم شعبنا من حقه في إقامة دولته التي اعترف بها العالم، وأبلغ الجميع بأن العام 2017 سيكون عام إزالة الاحتلال.

ثانياً: لقد طالب الرئيس أبو مازن المجتمع الدولي الموافقة على مشروع القرار الذي سيُقدَّم إلى مجلس الأمن والذي يطلب الحماية الدولية لشعبنا تحت الاحتلال (وطلب الحماية طبعاً لأن الكيان الصهيوني عدواني وارهابي)، فجبهة مقاومة الاحتلال متفاعلة على كافة الأصعدة.

ثالثاً: إنَّ النظرية الأساسية التي قام عليها اتفاق أوسلو حسب مفهومنا وقناعاتنا، وحسب دراستنا للمجتمع الإسرائيلي الذي هو خليط من مجموعات من شعوب مختلفة تنتمي إلى الحركة الصهيونية، وبالتالي فإنَّ النظرية التي اعتمدتها القيادة الفلسطينية في صراعها مع المجتمع الاسرائيلي هي: (أن المجتمع الإسرائيلي يتوحّد ويتماسك عند الحرب، ويتمزّق عند السلام). ولذلك نجد أن القيادة الإسرائيلية دائماً تذهب باتجاه العدوان والحروب سواء في جنوب لبنان، أو في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية، أو قصف أهداف في سوريا، وذلك كله حتى يبقى المجتمع الإسرائيلي موحَّداً، ولذلك هي ضد السلام لأنه الخطر الذي تخشاه القيادات الصهيونية على المجتمع الإسرائيلي الذي ليس له جذور، أو روابط حقيقية، أو قيم إنسانية، فهو مشروع سياسي عدواني اقتلاعي استيطاني يخدم المصالح الامبريالية والصهيونية في المنطقة.

رابعاً: تأكيداً على ما سبق فإن اسحق رابين الذي وقّع على اتفاق أوسلو الذي يقضي بتحقيق السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي المحتلة في 4\6\1967، وهذا طبعاً يستوجب انسحاب جيش الاحتلال من المدن الفلسطينية، أي من أراضي الضفة الغربية.

ولأن هذه الأراضي بالنسبة للحركة الصهيونية هي "أرض الميعاد"، وهي بالنسبة لهم أرض مقدسة، ولا يجوز الانسحاب منها، فقدسيتها جزء من العقيدة الصهيونية والايديولوجية التي تحكم العقل الصهيوني، وعندما فكّر إسحق رابين بتنفيذ الاتفاق ميدانياً تمّ تخوينه، والحكم عليه بالقتل العمد، وهذا ما حصل عندما تمّ تكليف فتى إسرائيلي بإطلاق النار عليه علناً والتخلّص منه، لأنه فكّر بتحقيق السلام. ثم تسلَّم الحكم نتنياهو الذي أوقف عملية الانسحابات، وتوقفت معها عملية السلام بالكامل، وهنا جوهر الصراع، هم ليسوا بحاجة لعملية السلام لأنَّ الولايات المتحدة تدعم عدوانهم وعنصريتهم، أما نحن فإننا سنواصل مسيرة تحقيق أهدافنا الوطنية وجذب العالم كي يكون إلى جانبنا مستخدمين سلاح السلام من جهة، وسلاح المقاومة بكل أشكالها وحسب متطلبات ظروف المعركة المتواصلة.

العدو الإسرائيلي اليوم يعيش أزمة حقيقية وهو يرى الرئيس أبو مازن متسلِّحاً بعدالة القضية الفلسطينية يقتحم القلعة الصهيونية، ويثير المدبرة الإسرائيلية وهي في حالة استنفار قصوى، بسبب مخاطر زيارة الرئيس الفلسطيني على حالة التماسك العنصري للمجتمع الإسرائيلي، هذه الحالة التي أسَّسها غلاة الصهاينة الذين يعيشون على الكراهية، والاجرام، والأحقاد، وقتل الأبرياء، وسفك الدماء، وتعذيب الأسرى.

لقد تمكَّن الرئيس أبو مازن بجرأته وثقته بنفسه، وإيمانه بحقوق شعبه المقدسة أن يغزو القلعة الصهيونية ليقول للعالم بأسره نحن هنا نريد السلام، نريد دولتنا كباقي شعوب الارض، نحن شعبٌ يستحق الحياة.

ذهب الفدائي الأنضج رئيس دولة فلسطين غازياً المجتمع الصهيوني الذي يجب عليه أن يسمع صوتنا قبل أن يدمّر الارهاب الصهيوني ( نتنياهو – ليبرمان – بينيت) ما تبقّى من آمال السلام في المنطقة.

وعلى الذين يعبّرون عن معارضتهم للزيارة كلٌّ على طريقته، وحسب مشاربه الأخلاقية، والسياسية، والاجتماعية أن يدركوا بأنّ من أهم عوامل انتصار الشعب الفيتنامي هو اقتحامهم سياسياً للمجتمع الاميركي، وتغيير مفاهيمهم، ودفعهم للقيام بالمسيرات الحاشدة في شوارع المدن الأميركية ضد الرئاسة الاميركية والجيش الأميركي الذي يقتل شعباً آخر، وهذا الأمر كان له التأثير الكبير على هزيمة الجيش الاميركي في فيتنام.

إنَّ غزو المجتمع الصهيوني أمرٌ يرعب الصهاينة الذين يريدون لهذا المجتمع أن يبقى مغلقاً حتى يستمر في إرهابه، ولذلك عندما كُلّف الاخ محمد المدني عضو اللجنة المركزية بالعمل داخل المجتمع الإسرائيلي وكسْب شرائح جديدة إلى جانب الحق الفلسطيني، وعندما نجح في عمله، وأحضر العديد من الوفود الاسرائيلية إلى رام الله، واستمعوا إلى الرئيس أبو مازن، وتأثّروا بوجهة نظره، أصدرت الحكومة الاسرائيلية قراراً واضحاً بمنع الاخ محمد المدني من الدخول إلى أراضي الكيان الإسرائيلي.

إنّ القيادة تعمل بمنهجية موضوعية وعقلانية، ولها أهدافها الواضحة، وهي لا تلتفت إلى الوراء، ولا تلجأ إلى الأساليب العاطفية والعفوية، وإنما تتوخّى الحقائق لأنّ الحملَ كبير، والعبء ثقيل، والخيارات صعبة، والمشوار طويل.

أمين سر حركة "فتح" - إقليم لبنان

 الحاج رفعت شناعة

1\10\2016