جميع القوى والشخصيات المستقلة والفعاليات الوطنية رحبت بقرار حركتي حماس والجهاد الاسلامي بالمشاركة في انتخابات المجالس البلدية والمحلية. وتراجع الجهاد، الذي اعلنه القيادي المدلل، حسب تقدير شخصي، لا يعكس حقيقة موقف الحركة، لان الافتراض ان ترشح كفاءات وشخصيات مقربة. ولكن حتى لا تعطي إسرائيل ذرائع لاعتقال مرشحيها او المحسوبين عليها، لجأت لاسلوب التراجع. غير ان حركة حماس لم تتراجع. إلآ انها عبر ناطقين باسمها، قالت ستتجه لترشيح كفاءات وشخصيات محسوبة عليها، لتفادي ترشيح قيادات وكوادر من اعضائها، قد يكونوا لقمة سائغة للاعتقال من قبل إسرائيل. رغم ما بينهم من تعاون وتنسيق مباشر وغير مباشر.

بغض النظر عما ورد اعلاه. يبقى السؤال المطروح، لماذا تراجعت حركة حماس، عن موقفها المعلن في البداية والرافض لخيار الانتخابات؟ ماذا جرى؟ وما هي العوامل الموضوعية والذاتية، التي ساهمت في تراجعها عن فوبيا الانتخابات؟ وفق ما يعتقد المرء، فإن العامل الاول، يتمثل بضغط كل من قطر وتركيا على قيادة حماس للانخراط في عملية الانتخابات بمسمياتها المختلفة. لان القيادتين العربية والاسلامية، تعتقدان ان مواصلة حماس عملية الرفض لخوض معارك الانتخابات يعطل تأثيرها في إحداث المصالحة. خاصة ان كل من قطر وتركيا لاسباب مرتبطة بالتطورات الخاصة بساحاتها وعلاقاتها مع دول الاقليم، باتت معنية بدفع حركة حماس لخوض الانتخابات؛ ثانيا تراجع مكانة فروع جماعة الاخوان المسلمين في العديد من الساحات، وبالتالي إضمحلال دورهم حتى في اوساط الغرب عموما واميركا خصوصا، حتم عليها تدوير الزوايا؛ ثالثا تجربة حركة النهضة التونسية، التي اعلنت في مؤتمرها الاخير اواخر أيار الماضي عن إنغماسها وتوطنها في القضايا التونسية قبل اي قضايا اخرى؛ رابعا الضغط الشعبي الفلسطيني وخاصة في محافظات الجنوب. ووجود تيار داخلي فيها ايضا ضاغط بهذا الاتجاه؛ خامسا الاعتقاد السائد في اوساطها إن حالة التشظي والتآكل، التي تعيشها حركة فتح تسمح لها بتحقيق نتائج ايجابية في الشارع الفلسطيني؛ سادسا إستعداد بعض القوى اليسارية تشكيل مظلة لتغطية عورات حماس المرفوضة في الشارع الغزي عبر فرض مجالس توافقية بالتزكية تحفظ حق حماس بنصيبها من كعكة انتخابات المجالس البلدية والقروية.

ولعل ما حملتة وثيقة الشرف، التي اعلنتها الفصائل الفلسطينية في غزة، وتضمنت بعض النقاط الملتبسة، والمتعلقة بالتزام حكومة التوافق الوطني في الضفة والقطاع بما تفرزة انتخابات المجلس البلدية والقروية، والتعامل معها دون تمييز. والهادفة بالتغطية على التوافق المبدئي بين حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرر فلسطين، لاسيما وان ممثلي الجبهة في الاجتماعات المشتركة للفصائل، رفضوا اي تعديل او تغير للفقرة المذكورة عندما اثيرت من قبل بعض الفصائل، ودافعوا عنها بطريقة ملفتة، تشي بما توافقوا عليه مع حركة حماس، ووفق احد القيادات الوطنية، فإن حركة المبادرة لها ذات موقف الشعبية.

مع ذلك المشكلة ليست هنا، انما في المعايير المزدوجة، التي تتبناها الجبهة الشعبية، ففي غزة تعمل قيادتها على تمرير خيار التزكية بالتوافق على رئاسة المجالس البلدية والمحلية لتسويق حركة حماس المرفوضة في القطاع، في حين انها في الضفة الفلسطينية ترفض ذلك، وتعتبرها الرفيقة خالدة جرار، عضو المكت السياسي للجبهة، خيارا غير ديمقراطي؟! كيف تستقيم الامور في ظل هذا التناقض؟ وما هي خلفيات الشعبية غير المفهومة؟ واين هي الحكمة الديمقراطية والسياسية؟  بصراحة شديدة، ودون مواربة، لا يوجد ناظم لهكذا رؤية لا فكرية ولا نظرية، سوى الحسابات الفئوية الضيقة، التي لا تخدم مكانة وتاريخ الجبهة الشعبية، وتسيء لذاتها. وايضا عقدة النقص التاريخية من حركة فتح، وتعتبر تصفية الحساب معها له الاولوية على ما عداه من تناقضات داخل المشهد الفلسطيني.وبدل ان تصب جهودها لمواجهة التحدي الاكبر في الساحة، الناجم عن الانقلاب الحمساوي وانعكاساته السياسية والوطنية العامة على الشعب والمشروع الوطني، للاسف تقلب الاولويات، وتضع نصب عينيها مواجهة حركة فتح.

لكن ما تقدم، ليس نهاية المطاف، لان الحوار مازال مفتوحا بين القوى الوطنية والاجتماعية، وبالتالي فإن هناك إمكانية لتغيير المواقف، وتوحيد الرؤى بما يخدم تعزيز الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، وتغليب المصالح الوطنية على الحسابات الفئوية، وتبريد الرؤوس الحامية.