أحزن على حالنا ، كعرب ، حيث وقف البعض منحازاً لصالح الرئيس التركي أردوغان وكأنه ملاك ضد الانقلاب العسكري الدموي ، ووقف البعض الاخر شامتاً فرحاً لسقوط الشيطان أردوغان على يد جيش تركيا ، وفي الحالتين لم يكن ملاكاً ولا شيطاناً ، فهو قائد سياسي له أتباع كما له خصوم يعرف ماذا يريد كي يبقى في قمة الهرم السياسي ، ويعمل على خدمة شعبه ورفع مكانة بلده ، بينما لم تتوفر الموضوعية والاتزان لدى العرب في التعامل مع الجار التركي القوي ، الذي يسعى فيما يسعى إليه كي يكون مقرراً في السياسة العربية ومؤثراً فيها وعليها ، دافعاً بها نحو خدمة مصالح تركيا أولاً وأخيراً ، حتى ولو كان ذلك على حساب العرب وحقوقهم ومكانتهم ، فالتدخل التركي في سوريا والعراق تمليه رؤية ومصالح تركيا أولاً وأخيراً ، وأول تلك المصالح منع الاكراد من ممارسة حق تقرير المصير لدى البلدين العربيين سوريا والعراق ، وتركيا تخشى هذا التطور لدى العراقيين والسوريين لأنه سيساعد الاكراد الترك ، ويدفعهم نحو الاقتراب من الخيار العراقي والسوري بالحكم الذاتي ، والفدرالية ، والتمكين من التعبير عن أنفسهم قومياً ولغوياً وثقافة ، هذا إن لم تتوفر لديهم فرص الاستقلال الكامل على أرضهم التاريخية ، وثاني تلك المصالح حماية تركيا من إرهاب تنظيمي القاعدة وداعش اللتين إستدارتا نحو إيذاء تركيا ، والمس بأمنها وشعبها ومؤسساتها ، على أثر إغلاق الحدود التركية أمام المتطوعين الاجانب القادمين إلى سوريا من أوروبا وأسيا وبعض البلدان العربية ، وقد نجح تنظيما القاعدة وداعش من تنفيذ عدد من العمليات الارهابية التي طالت تركيا وأوجعتها ، بسبب تراجع أنقرة عن السماح بتدفق المتطوعين الاجانب الجهاديين نحو سوريا والنضال ضد نظامها غير الجهادي .
أثبتت تركيا وشعبها عبر إفشال الانقلاب أنها أكثر تماسكاً وإنحيازاً للخيار الديمقراطي ، وأكثر إقتراباً من المناخ الاوروبي وأنها تبتعد عن شرقيتها المتخلفة ، وأنها قطعت شوطاً كبيراً على طريق الاحتكام لصناديق الاقتراع ، ورفض أي خيار بإستثناء الانتخابات ، والخيار الديمقراطي هو الذي انتصر في تركيا وليس طرفاً أخر ، وإن كان أردوغان سيسعى للإستفادة من هذه النتيجة لصالحه شخصياً ، فقد وجه عمله للإنقضاض على المؤسسة القضائية ، وعلى خصمه في المنفى فتح الله غولان ، ولكن الرسالة الفرنسية قد تكون كافية للتعبير عن الموقف الاميركي الاوروبي أن لا توقيع على صك بياض لأردوغان ، وعدم التسليم بإجراءاته ضد المعارضة تحت حجة تورطها في الانقلاب المرفوض الفاشل
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها