بحث رئيس الوزراء رامي الحمد الله، خلال اللقاء المفتوح بين القطاع الخاص الفلسطيني والحكومة، الذي عقد برام الله اليوم الأحد، سبل تعزيز الشراكة في مجال التنمية الاقتصادية بين القطاع العام والخاص لمواجهة التحديات الاقتصادية، وتوظيف الطاقات والإمكانيات المتنوعة، لتجاوز حالة الركود، والتمكن من رفع معدلات النمو، والحد من الفقر والبطالة، والعمل تجاه تحقيق تنمية وطنية مستدامة.

 وجرى اللقاء بحضور وزيرة الاقتصاد الوطني عبير عودة، ووزير المالية شكري بشارة، ووزير الزراعة سفيان سلطان، ومستشار رئيس الوزراء لشؤون الصناديق العربية والإسلامية جواد ناجي، ورئيس سلطة الطاقة عمر كتانة، ورئيس الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية خليل رزق، ورئيس الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية بسام ولويل، وعدد من ممثلي ورؤساء مؤسسات القطاع الخاص وسيدات ورجال الأعمال.

 وقال رئيس الوزراء: "تغمرني سعادة حقيقية، وأنا أجتمع اليوم بهذا الحشد الكبير من سيدات ورجال الأعمال الفلسطينيين، لنناقش الوضع الاقتصادي في بلادنا ونتبادل الآراء حول سبل النهوض به وتحريره. أحييكم جميعا، وأنقل لكم تحيات سيادة الرئيس محمود عباس، وتقديره الكبير للجهود الخيرة البنّاءة التي تبذلونها جميعا لدعم مسيرة بناء فلسطين وتطوير مؤسساتها، واستنهاض قطاعاتها وتعزيز صمود شعبنا خاصة في ظل المعاناة المتفاقمة التي يعيشها، ومتابعته لنتائج هذا اللقاء".

وأضاف: "لا شك بأنكم على دراية كاملة بمدى تأثير هذه الممارسات الإسرائيلية على مجمل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث تعيق إسرائيل من خلالها، أية فرصة حقيقية للتنمية في فلسطين، وهو ما بدا جليا بالتراجع الحاصل في معدلات النمو، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وانخفاض الاستثمارات المحلية والخارجية، مما ساهم في إدخال اقتصادنا الوطني في حالة من الركود من جديد".

وقال: رغم أن اقتصادنا الوطني شهد تكرارا ظاهرة الركود لأسباب مختلفة ومتنوعة، لكن الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته القمعية، يبقى السبب الأساسي في ذلك، إضافة إلى التراجع الحاد في الدعم الخارجي لفلسطين حيث كان في العام 2008، 29% من الناتج المحلي الإجمالي أما الآن فقد انخفض إلى مستوى غير مسبوق ليصل إلى 6.5% منه.

وتابع: أود التوقف عند محطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالفترة الماضية من عمر الحكومة في الأعوام (2013 – 2016)، التي شهدت ولا تزال جمودا سياسيا بالغا بشأن المسألة الفلسطينية، رغم مجموعة الإنجازات التي تحققت على مستوى الاعتراف الدولي بدولة فلسطين والانضمام إلى عدد واسع من المنظمات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، لكن عجز الأسرة الدولية عن نجدة شعبنا والانتصار لحقوقه المشروعة، قد أطلق العنان للاحتلال الإسرائيلي، لتشديد قبضته، والإمعان في إجراءاته التعسفية ضد شعبنا ومؤسساتنا ومواردنا، وتزامن ذلك كله مع العدوان الغاشم الذي شنته اسرائيل على قطاع غزة قبل عامين، والذي خلف آلاف الشهداء والجرحى، وترك دمارا هائلا في البنية التحتية وبالمنازل والمنشآت والمؤسسات.

واستدرك رئيس الوزراء: "إزاء هذا كله، تراكمت وتفاقمت، حجم المعاناة الإنسانية وتعاظمت صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، مما زاد بالتالي، حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الحكومة خاصة في ظل محدودية الموارد والإمكانيات المالية".

وقال: "رغم ذلك كله، إلا أن شعبنا الفلسطيني أثبت قدرته على تجاوز أعتى التحديات، وها هي الحكومة تضع في صلب أولوياتها وبرامجها، النهوض بالاقتصاد الوطني، وقد تمكنت، على مدار السنوات الماضية، من مراكمة الكثير من الإنجازات، وخاصة في مجالات:تطوير بيئة الأعمال التي تساهم في تنمية نشاط القطاع الخاص وجذب الاستثمارات المحلية والخارجية، من خلال حزمة من التشريعات والقوانين الناظمة للنشاط الاقتصادي والمالي، وتوفير وتقديم حوافز مالية لتحفيز القطاع الخاص، عبر إقرار قانون تشجيع الاستثمار المعدل لعام 2014، الذي جاء بتوافق كامل مع مؤسسات القطاع الخاص، تخفيض ضريبة الدخل، تقديرا لأهمية القطاع الخاص الفلسطيني ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها.

وأشار إلى أن الحكومة أنجزت على مدار السنوات الثلاث الماضية، حزمة واسعة من المشاريع الخاصة بالبنية التحتية، وأهمها تعبيد الطرق داخل المدن والقرى، والطرق الواصلة بينها، وتوسعة وتجديد شبكات المياه في المدن والقرى، وحفر آبار مياه الشرب، وآبار المياه الزراعية، والتوسع في بناء وتجديد الشبكات الكهربائية، وفي بناء شبكات الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه العادمة والنفايات الصلبة. كما تحققت إنجازات كبيرة في مجال بناء الأبنية المدرسية ومراكز التدريب المهني وتجهيزها وغيرها من المنشآت التعليمية، وتطوير الخدمات الصحية، من خلال التوسع في إقامة المستشفيات والمراكز والعيادات الصحية في مختلف المحافظات، وتطوير قدرات الكوادر الطبية في المرافق الصحية الحكومية، وإقامة عدد من المناطق الصناعية، التي توفر بنية تحتية متكاملة تسهل وتحفز نشاط القطاع الخاص، وتوفير برامج متنوعة في مجالات تنمية الصادرات، وتحديث وتطوير الصناعة، ودعم المنتج الوطني إضافة إلى تنمية القطاع الزراعي، وإقامة شبكة واسعة من العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الشقيقة والصديقة، تتمتع من خلالها دولة فلسطين بأفضليات تجارية لصادراتها الى تلك الدول.

 وأضاف رئيس الوزراء: "نجحنا في تخفيض حجم المديونية، وانتظمنا في تسديد مستحقات القطاع الخاص والبنوك، ما ساهم في تعزيز الاجراءات الهادفة الى اخراج الاقتصاد الوطني من حالة الركود، وانتظمنا كذلك في صرف الرواتب الشهرية لموظفي الدولة، ما كان له عظيم الأثر في الحفاظ على ديمومة الدورة المالية في السوق الداخلي.

وقال إن الحكومة قامت بعدد من الخطوات للنهوض بالاقتصاد الوطني، أهمها: إقرار العديد من القوانين والتشريعات ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي، من ضمنها قانون الأموال المنقولة وقانون الضمان الاجتماعي، وهما القانونان القادران عند تطبيقهما، على توفير مصادر مالية وعينية ضخمة، ستساهم بكل تأكيد في نمو حجم الاستثمارات والتسهيلات المالية التي يمكن أن يستفيد منها القطاع الخاص. كما أقرت العام الماضي، الاستراتيجية الوطنية للتصدير، والهادفة الى تعزيز وتنمية الصادرات الفلسطينية للأسواق الخارجية، وشكلت المجلس الوطني المكلف بالإشراف على تنفيذ هذه الاستراتيجية، الذي باشر عمله مطلع هذا العام. كذلك أولت الحكومة كل الاهتمام لدعم المنتج الوطني، وأقرت نظاما خاصا لتعزيز القدرة التنافسية للمنتج الوطني. ورفع حصته وتعظيم الطاقات الإنتاجية للمنشآت الصناعية، هذا بالإضافة إلى خلق فرص استثمارية جديدة.

وأضاف: نعمل حاليا، من خلال وزارة الاقتصاد الوطني وبالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص، خاصة الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، على إعداد استراتيجية وطنية للتنمية الصناعية، لتطوير القطاع الصناعي وتعزيز قدراته التنافسية، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي، وخلق فرص استثمارية تؤهله لتنمية الصادرات.

وقال الحمد الله: سنعمل، بالتنسيق والتعاون مع سلطة النقد الفلسطينية والقطاع المصرفي، على بلورة سياسات نقدية ومالية، تتوسع بموجبها حجم التسهيلات المالية وتمويل المشاريع الإنتاجية بشكل خاص والمشاريع الصغيرة عموما، وعملنا بالتنسيق مع البنك الإسلامي للتنمية، على توسيع مكونات برنامج التمكين الاقتصادي للشعب الفلسطيني، الذي انطلق عام 2007 لمكافحة ومعالجة مشاكل الفقر، حيث أصبح يشمل عناصر جديدة لتمكين المرأة وتشغيل الشباب الخريجين ورعاية الرياديين والمبدعين، وتم إطلاق برنامج وطني لرعاية المبدعين الرياديين، وتم حشد الموارد المالية اللازمة له.

وفي هذا الإطار، جدد رئيس الوزراء تأكيده على التزام الحكومة المطلق والثابت بدعم ورعاية المبادرات الريادية، ورغم كل هذه الإنجازات الهامة، لا يزال الكثير قيد العمل لتحقيق الأهداف المرجوة على الصعيد الاقتصادي، وهذا ما يستدعي منا جميعا، توظيف الطاقات والإمكانيات المتاحة لاستثمار الفرص وتحديد الخيارات الملائمة والقابلة للتطبيق، والقادرة على تمكين اقتصادنا من مواجهة التحديات والمعيقات.

وتابع الحمد الله: أما المحطة الثانية التي أردت الحديث عنها، فهي "صياغة خطة وطنية تنموية للأعوام 2017 – 2022"، والتي تشمل تطوير أجندة سياسات وطنية، والتي من المقرر أن ينتهي العمل عليها مع نهاية هذا الشهر، وكذلك 21 استراتيجية قطاعية يبدأ العمل على بلورتها قريبا وينتهي مع نهاية هذا العام، حيث تهدف جميعها إلى تلبية احتياجات المواطنين والقطاع الخاص، وفي جوهرها تعزيز الجاهزية نحو الاستقلال في جميع الميادين. ونسعى من خلال الخطة الوطنية الجديدة، إلى توفير خدمات مستدامة وبجودة عالية، إلى أبناء شعبنا وقطاعنا الخاص، خاصة في المناطق المهمشة والمسماة "ج" والقدس وقطاع غزة. وقد حرصت شخصيا، ومنذ البداية على ترأس اللجنة الوزارية المشرفة على إعداد خطة التنمية الوطنية للأعوام 2017-2022 والدفع قدما باتجاه الشراكة الكاملة في إعدادها مع جميع الأطراف داخل الحكومة وخارجها، حيث عقدت العديد من اللقاءات التشاورية خلال الأشهر الماضية مع جميع الشركاء، خاصة مع ممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية، ويجري العمل حاليا على إدخال جميع الملاحظات تمهيدا لتقديمها إلى مجلس الوزراء لاعتمادها قبل نهاية الشهر الجاري، لتصبح خارطة طريق متكاملة لعمل الحكومة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية ترتكز على اجندة متكاملة من الأولويات الوطنية والسياسات الى جانب التدخلات اللازمة السياسية منها والتنموية.

وقال: لقد ارتكزت هذه الخطة على كم هائل من المعلومات والبيانات التي جمعها الفريق الوطني لأغراض تصميمها، ما ساعد في تحديد المحاور الاساسية المستهدفة للخطة، منها المحاور ذات العلاقة بموضوع الاستقلال والإصلاح والتنمية المستدامة، الى جانب تحديدها للأولويات الوطنية، ومنها على سبيل المثال: موضوع الوحدة الوطنية، والتضامن الدولي، والحكومة الفعالة، واستقلالية الاقتصاد الوطني، والعدالة الاجتماعية، والتعليم، والرعاية الصحية وغيرها، وإلى جانب ذلك، فإن الخطة قيد الإعداد، تتناول الأولويات السياسية، منها قضايا وحدة الأرض والشعب، وتجسيد الممارسة الديمقراطية في دولة فلسطين، الانضمام الى مؤسسات المجتمع الدولي، وإخضاع إسرائيل للمساءلة، وإصلاح قطاعي الحكم المحلي والأراضي وغيرها من القطاعات الحيوية، مع التركيز على الارتقاء بمستوى الخدمات، هذا بالإضافة إلى نجاعة وفعالية إدارة المال العام، بناء مقومات الاقتصاد الفلسطيني، توفير فرص العمل، توفير بيئة استثمارية جاذبة، تعزيز الصناعة، مكافحة الفقر، توفير الحماية الاجتماعية وغيرها من الأولويات السياساتية.

وأضاف الحمد الله إن الخطة قيد الإعداد، حددت التدخلات اللازمة لكل محور من المحاور ولكل أولوية من الأولويات التي تضمنتها، وبهذه الأجندة الوطنية المتكاملة، التي سترى النور قريبا، تكون الحكومة وبالتنسيق والتعاون مع شركائها أطراف التنمية المحلية والدولية قد حددت إطارا متكاملا للمحاور والأولويات الوطنية والسياسات والتدخلات اللازمة، يمكنها من إدارة الشأن الاقتصادي برؤيا متكاملة الى النهوض بالاقتصاد الوطني بشكل يمكنه من تحقيق النمو المستدام وتوفير حياة كريمة للإنسان الفلسطيني تليق بعطائه وتضحياته، حياة يسودها الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.

وقال: بشكل تكاملي مع عمل الحكومة على تطوير أجندة السياسات الوطنية للأعوام الست القادمة، فإنها تقوم بجهود جبارة ومنسقة لتعزيز صمود أبناء شعبنا في المناطق المسماة (ج) والقدس الشرقية، من خلال إنشائها للمكتب التنسيقي لدعم مناطق ج والقدس الشرقية، والذي يبدأ العمل فيه اليوم تحت مظلة اللجنتين الوزارية والفنية الخاصتين بدعم الصمود والتنمية في مناطق (ج) والقدس الشرقية. هذا المكتب الذي تم إنشاؤه حديثا يضم عشرة موظفين من خيرة أبناء شعبنا حتى يقوموا بمساعدة اللجنة الوزارية على التخطيط والتنسيق وحشد الدعم الدولي لأبناء شعبنا في تلك المناطق وحماية الأرض الفلسطينية والاستغلال الأمثل لمواردنا الطبيعية في تلك المناطق.

 وتابع رئيس الوزراء: كما أن الحكومة، بالتنسيق مع القطاع الخاص والأهلي، بصدد التحضير لعقد مؤتمر اقتصادي في مطلع شهر أيلول المقبل، يشخص حالة اقتصادنا الوطني الحالية ويحدد آليات تنفيذ فاعلة للحلول المقترحة وفق جدول زمني محدد. وقد تم تكليف "معهد السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) ، ليقود هذا الجهد الكبير في التحضير لهذا المؤتمر الحيوي، والذي يعقد تحت عنوان "نحو رؤية شاملة للنهوض بالاقتصاد الوطني". ولا يسعني هنا، إلا أن أشكر كل الاطراف التي تعمل على إنجاح عقد هذا المؤتمر، خاصة معهد ماس ومديره العام، معالي الدكتور نبيل قسيس.

 واختتم الحمد الله: "أجدد التزامنا بالمبادرات التي أطلقناها في لقاءات سابقة معكم، بما فيها المتعلقة باستعداد الحكومة لتأسيس صندوق مشترك برأسمال 250 مليون دولار مناصفة لتمويل المشاريع الاستثمارية ذات جدوى اقتصادية ومالية عالية قادرة على المساهمة في حل مشاكل الفقر والبطالة والنهوض بالاقتصاد الوطني. وقال "إننا مستعدون دائما للاستماع الى ملاحظاتكم ومشاكلكم، بل ومنفتحون أيضا على النقد البناء الهادف، ولا نقبل مطلقا لوزاراتنا ومؤسساتنا التقصير في مهامها ووظائفها وأدائها، بل نسعى كي تعمل بكامل وأقصى طاقاتها لخدمة المواطنين وبناء الوطن".