برغم الصراخ الإسرائيلي الذي يصم الآذان، وبرغم بعض الأصوات الفلسطينية الخارجة عن الصف التي لا قيمة ولا مصداقية لها، وبرغم مضاعفة الحشد اليميني المتطرف والعنصرية المكشوفة، الا ان المبادرة الفرنسية انطلق اجتماعها التمهيدي في باريس بحضور قرابة ثلاثين دولة بما فيها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ودول من كل القارات، واتحادات اقليمية، وزخم كبير من الاهتمام لفتح افاق جديدة أمام نفق السلام المسدود بين الاسرائيليين والفلسطينيين، بعد فشل اخر مفاوضات في آذار 2014 نتيجة التعنت والعدوانية الاسرائيلية.

وفي مؤتمر باريس الذي التأم امس بهذا الحضور الدولي اللافت تحققت نتيجة أولى وهي انكسار الفلسفة السياسية لنتنياهو واليمين الاسرائيلي باحتكار الحكومة الاسرائيلية مرجعية السلام حيث كانت تتصرف طوال عقود من الزمن على اساس انها اسرائيل هي الخصم والحكم، وان ما تريده يحدث، وما ترفضه لا يحدث، هكذا كان الامر منذ عقد الاتفاق الرئيسي مع اسرائيل في حديقة البيت الابيض في واشنطن، وقامت الحكومات الاسرائيلية وخاصة بعد مقتل اسحق رابين على يد اليمين المتطرف بترجمة هذه الاتفاقية من طرف، وتفسيرها على هواها، الى انتهاء الامر بعدم الالتزام الكامل بها.

ووصلت القراءة الخاطئة والعنصرية لإسرائيل انها لم تعد ترى غير نفسها، وكأنه لا حقوق مطلقا للطرف الفلسطيني، ولا شاهد على ما يحدث سوى الرواية الاسرائيلية.

انعقاد مؤتمر باريس رغم التصريحات السلبية الحادة ضده، ورغم قيام اسرائيل بالتحريض ضد المبادرة الفرنسية، ورغم لغة الانتقائية الفاشلة في خطاب نتنياهو، اشبه بدعوة مفتوحة للمجتمع الدولي للحضور من جديد، للتعبير عن مصالحه، لقول رأيه، للانحياز الى قراراته السابقة، فإذا كانت اسرائيل تنظر الى مرجعية قرارات الشرعية الدولية، وحضور المجتمع الدولي هو عمل معاد لها، فهذا مبالغة في العنصرية، وحجر على اراء الاخرين، وتجاهل لمصالح العالم اجمع في الوصول الى حل عادل للقضية الفلسطينية بتجفيف لمنابع الارهاب، فحين اذا تكون اسرائيل كمن يخضع الاخرين للمنطق الأعوج، وهذا غير مقبول، فالمجتمع الدولي له رؤى ومصالح، والسلام مطلب عالمي.