لا اعتقد أن لدى شعب في العالم تواريخ، وذكريات مؤلمة كما للشعب الفلسطيني. وخلال مسيرتي المهنية في الإعلام والصحافة، كنت أمام رزنامة مزدحمة بالمآسي والنكبات والنكسات والمذابح، فهي لا تعد ولا تحصى. وبالمقابل هناك عدد غير قليل من المناسبات التي تمنح الأمل كتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28 أيار/ مايو 1964/ ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من كانون الثاني/ يناير 1965/ ذكرى معركة الكرامة في 21 آذار/ مارس 1968/ ذكرى الانتفاضة الشعبية الكبرى في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1987، بالإضافة لذكرى إعلان الاستقلال، ويوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني الذي يصادف في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، كما تزخر الرزنامة الفلسطينية بالبطولات والثورات قبل عام 1948 وبعده.

ويمكن تقريب فكرة الرزنامة المؤلمة للقارئ. من خلال التذكير بنتائج سياسة التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية في الفترة من نهاية عام 1947 وحتى منتصف عام 1949، والتي دمرت خلالها هذه العصابات ما يقارب من 500  قرية، وبلدة فلسطينية، ومسحتها عن الوجود، بمعنى أن كل يوم من أيام السنة فيها ذكرى دمار قرية أو أكثر، وفي نفس الفترة ارتكبت هذه العصابات عشرات المجازر، بعضها كشف عنها الأرشيف الصهيوني مؤخرًا.

كل التفاصيل السابقة ولم نتحدث بعد عن وعد بلفور في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، الذي منحت بموجبه بريطانيا فلسطين للحركة الصهيونية. كما لم نتحدث عن ذكرى صك الانتداب البريطاني على فلسطين في 24 تموز/ يوليو 1922، والنكبة الكبرى في 15 أيار/ مايو 1948، ونكسة الخامس من حزيران/ يونيو 1967، وأحداث أيلول الاسود عام 1970، والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وذكرى مذابح صبرا وشاتيلا في 17 أيلول/ سبتمبر 1982. ولا يغيب عن بالنا تاريخ إقامة كل مستعمرة صهيونية على أرض شعبنا قبل وبعد عام 1967.

كما أن هناك رزنامة خاصة بالشهداء والأسرى، فكل يوم من أيام السنة ذكرى عشرات الشهداء، الذين قدموا أرواحهم فداء لفلسطين، ومن أجل الحرية والكرامة. وكل يوم في السنة مليء بذكرى أسر قوات الاحتلال للعديد من أبناء فلسطين. وهناك ذكرى استشهاد عشرات القادة الذين اغتالتهم إسرائيل، غسان كنفاني، كمال ناصر، كمال عدوان، أبو يوسف النجار، سعيد حمامي، وائل زعيتر، إبراهيم القلق، حسن سلامة، ماجد أبو شرار، عاطف بسيسو، صلاح خلف، هايل عبد الحميد، أبو علي مصطفى، الشيخ احمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي وياسر عرفات أبو عمار.هؤلاء بعض القادة ضمن قائمة تطول خصوصًا إذا شملنا من اغتالتهم العصابات الصهيونية قبل عام 1948.

رزنامة مليئة بالمقابل بأروع قصص ونماذج وملاحم الصمود والبطولات الفردية والجماعية، فالرزنامة الفلسطينية بالرغم من قسوتها هي دليل على شعب لم تنكسر إرادته ولم يستسلم، شعب لديه عزيمة وإصرار على مواصلة الكفاح حتى يحقق حريته واستقلاله الوطني. وعلى رزنامة الفلسطيني سيكون هناك يوم للاستقلال الحقيقي، وهذا اليوم ليس ببعيد.