الحمد لله ان القيادة الفلسطينية ليست من جماعة الرد النهائي، أبيض أو اسود، نعم أو لا، وإلا لكانت قضايانا العادلة والعميقة وشديدة التداخل لدى العشرات من الاطراف الاقليمية والدولية، قد وصلت الى طريق مسدود في هذه الظروف المستجدة الرهيبة على مستوى العالمين العربي والاسلامي، وعلى مستوى قانون المصالح وما يتبعه من واقع ازدواجية المعايير على مستوى القوى العالمية التي تكتفي في معظم الاحيان بادارة المشاكل ولا تلجأ الى حلها إلا عندما تثق ان الثمرة النهائية ستسقط في سلتها على المضمون.

ورغم انزلاق المجتمع الاسرائيلي بأغلبيته الساحقة نحو المزيد من التطرف والعنصرية وإرهاب الدولة وجنون الاستيطان، وان اسرائيل تتظاهر بتحقيقها المعجزات على مستوى الامن وعلى والانسجام الداخلي، وعلى مستوى علاقاتها الدولية خاصة الولايات المتحدة، لكنها حين تنظر وراءها فانها تجد انها ما زالت تراوح مكانها من اساسيات الصراع، فالاحتلال مفروض باعلى درجات عربدة القوة، والاستيطان غير شرعي ولن يكون، وان كل سياسات هذا الاحتلال العنصري مرهونة بحدوث متغير رئيس من متغيرات كثيرة جدا، كأن ينحاز المجتمع الدولي الى تغطية قراراته، او يخرج العالم العربي من حروبه الداخلية العبثية، او ان تكف بعض الدول العربية من التدخل السلبي في مجريات القضية الفلسطينية، او ان تمتنع بعض الاطراف الفلسطينية من بيع مواقفها بثمن بخس لصالح الاخرين.

وبعد مئة وتسعة عشر عاما على بداية القضية بعد المؤتمر الصهيوني الاول في عام 1897، وبعد مئة عام على اتفاقية "سايكس بيكو" التي اعطت فلسطين للحركة الصهيونية، نجد ان اكثر من ستة ملايين فلسطيني موجودون في رقعة فلسطين التاريخية بعدد يفوق الوجود اليهودي، وأن القضية الفلسطينية حاضرة عند شعبها وحاضرة رغم المكابرة عند عدوها الاسرائيلي، وحاضرة في يوميات المجتمع الدولي وهذا نجاح كبير، وان الاحتلال الاسرائيلي رغم تبجحاته المضخمة أمام مواطنيه بأنه عبقري في صنع الأمن لكن الجميع يعلم ان هذا الامن ما كان ليتحقق لولا انحياز الشعب الفلسطيني باغلبيته الكاسحة في الداخل والخارج للسلام وعدم انجراره الى هاويات الإرهاب.

اذن عبقرية حضور القضية هو الخيار الاول لدى القيادة الفلسطينية وليس الردود النهائية، فالتاريخ مستمر، ونحن جزء من هذا التاريخ ويجب ان نحاول باستمرار.