بقلم: عبد الباسط خلف
لم يكن حسين عبد القادر خضور يعلم أن اليوم الأول من شتاء 2024 سيكون الأخير له، وسيرتقي بإصابة في فخذه بمنطقة مراغة في قريته فقوعة، عند التخوم الشمالية الشرقية لجنين.
وبالكاد استطاع الشقيق المكلوم عدي البوح عن أخيه الأكبر، وقال بنبرة مسكونة بالحزن: إن "حسين كان بمثابة الأب للعائلة بعد رحيل والده خلال عام 2020، كما أنه شعر بالمسؤولية في سن مبكرة، وترك الدراسة في الصف التاسع ليساعد رب الأسرة ذات الأبناء الستة، لكنه رحل برصاصة غادرة من احتلالٍ غاشم".
واسترد بحسرة تفاصيل اللقاء الأخير مساء الجمعة، الذي لن يتكرر، فلن تعود العائلة لاجتماعاتها حول المدفأة لتستذكر حكاياتٍ قديمة مرة أخرى بحضور حسين، صاحب القلب الطيب والمضحي من أجل أسرته.
وترك حسين ابنته البكر شمس (ذات الربيع الثامن)، وأمير (صاحب العام السادس)، وعبد القادر قبل أن يكمل عامه الأول.
- تركوه ينزف
ووفق عدي، فقد أصيب حسين نحو الساعة الحادية عشرة قبل ظهر أمس السبت، حينما كان في طريقه إلى العمل بأراضي الـ 48، ولم يسمح جنود الاحتلال لسيارات الإسعاف بالوصول إليه، وترك ينزف حتى فارق الحياة، بالقرب من جدار الضم والتوسع العنصري.
وأكد أن غياب شقيقه سيترك فراغًا ثقيلاً في العائلة، ويعني أن ثلاثة أطفال تحولوا إلى أيتام برصاصة واحدة.
وأبصر حسين النور عام 1987، عندما كانت انتفاضة الحجارة في مستهلها، ووصلت قريته، التي خسرت خلال النكبة نحو 20 ألف دونم من أراضيها.
ويعمل خضور في الطلاء، وسبق أن اشتغل في بيع مواد غذائية ومشروبات قبيل إقفال حاجز الجلمة، شمال جنين، وسبق أن تنقل بين ورش كثيرة لإعانة عائلته.
فيما أكد مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر، محمود السعدي، بأن خضور استشهد جراء إصابته برصاص في شريان الفخذ، ونقل إلى مستشفى جنين الحكومي، لكن الاحتلال منع الوصول إليه لقرابة نصف ساعة، موضحًا أنه كان بالإمكان تقديم الإسعافات للشاب خضور، خاصة من وجود طبيب ومسعف مع جيش الاحتلال، لكنهم لم يفعلوا شيئًا، وتركوه يواجه مصيره.
- كمين وتاريخ
وقال محمد، وهو شاهد عيان: إن "خضور تعرض مع نحو 20 شابًا كانوا يهمون باجتياز جدار الفصل العنصري بين قريتي فقوعة وعربونة إلى كمين محكم".
فيما لخص أستاذ التاريخ وابن القرية، مفيد جلغوم، قصة فقوعة بالقول: إنها خسرت أرضها منذ الاحتلال عام 1948، كما قدمت قرابة 40 شهيدًا منذ ثورة 1936، أولهم محمد سالم.
وبين أن القرية فقدت في 17 تشرين الأول الشهيدة حنان أبو سلامة التي كانت تقطف الزيتون في حقلها المتاخم للجدار قرب قرية جلبون، لكن حسين ارتقى في الجهة الشمالية لفقوعة والمتاخمة لعربونة.
وأوضح جلغوم بأن فقوعة كانت قبل النكبة تمتد على 30 ألف دونم، لكن الاحتلال صادر نحو ثلثيها وترك لها 10 آلاف دونم فقط، ثم صار يضيق الخناق على المساحات الصغيرة المتبقية منها.
وذكر بأن القرية شهدت مؤخرًا إصابة عشرة شبان بجروح، حينما كانوا يهمون باجتياز الجدار، في محاولة للوصول إلى اراضي الـ 48؛ طلبًا للعمل.
وشيع مواطنو فقوعة والقرى المجاورة خضور، الذي التحق بقريبته حنان محمود خضور (18 عامًا)، طالبة الثانوية العامة التي أصيبت في البطن، داخل مركبة أثناء توجهها لمدرسة الخنساء في جنين، في نيسان 2022.
وتأخر التشييع عدة ساعات لتمكين إخوته الذين يعملون في أراضي الـ 48 من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، فيما كان مؤثرًا مشاركة أطفاله في جنازته بدموعهم.
ويقيم في القرية نحو خمسة آلاف مواطن، فيما أقصت النكسة أعدادًا إضافية منهم إلى المهجر، وهي موئل سوسنة فقوعة النبتة الوطنية لفلسطين، وتشتهر بثمار الصبر الشوكية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها