عقد ((مؤتمر أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي)) في تل أبيب دورته التاسعة هذا العام تحت عنوان ((تغيير قواعد اللعب))، في إطار البحث عن إستراتيجيات جديدة لأمن إسرائيل، وقد تبارى القادة العسكريون مع القادة السياسيون، في تحديد الأولويات الإستراتيجية، وتحديد الأعداء لإسرائيل، على ضوء المتغيرات التي يشهدها الإقليم والعالم، وقد تراوح إعتبار العدو الرئيسي للكيان الصهيوني ما بين إيران، أو حزب الله، أو حماس، أو داعش، كما أكد نتنياهو ويعلون وزير دفاعه في مداخلاتهم، أنه لا زالا يعتبران أن إيران تشكل العدو الأساسي لإسرائيل، وأنها بالرغم من توقيع الإتفاق النووي وبدء سريانه، فلا زالت تمثل الخطر الأساسي والوشيك على أمن الكيان الصهيوني ...!!
إن إعتبار هذه الرؤيا، والمواقف الإسرائيلية في إعتبار إيران العدو الأساسي، هي مجرد إستمرار لعملية الإبتزاز للولايات المتحدة للحصول على مزيد من التعويضات والدعم العسكري، بحجة التهديد الإيراني الذي جرى إستخدامه في السنوات الماضية على أفضل وجه ممكن، وقد وفرت التصريحات الإيرانية الإعلامية بهذا الشأن من القادة الإيرانيين المبرر والغطاء اللازم لإستمراره، وقد كان موقف الجنرال السابق وعضو الكنيست الحالي إيال بن رؤوفين متميزاً عن موقف القيادة السياسية حين قال: ((إن كل ما تفعله إسرائيل من تدريبات وإستعدادات لا يضمن لها الأمن، وأن الحل السياسي هو وحده الكفيل بتحقيق الأمن لإسرائيل وللإسرائيليين، ومن دون ذلك لا يمكن إيجاد حلٍ سحري))، ولكن هذا الرأي للأسف لا زال عديم التأثير لدى متخذي القرار في الحكومة الإسرائيلية، والتي تواصل سياساتها الأمنية والعسكرية، دون الإدراك أن جميع هذه السياسات سيكون مؤداها الفشل في تحقيق ما تصبوا إليه من أمن وإستقرار سواء كان مؤقتاً أو دائماً.
إن الأمن والإستقرار والسلام يتنافيان مع إستمرار الإحتلال لأراضي الغير، ومواصلة الإستيطان فيها والتنكر لحقوق الآخرين، إن مثل هذه السياسات هي التي تضع أمن الكيان الصهيوني في مهب الريح، وما الإدعاء بالتهديدات الخارجية من إيران إلى غيرها من القوى المتصارعة في الإقليم، إلا تغطية على إستمرار هذه السياسات التي تهدف إلى ترسيخ الإحتلال ومواصلة الإستيطان والإنكار لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال، من هنا تستمر السياسة الإسرائيلية في غيها وسياساتها العسكرية والأمنية القائمة على التوسع في نظرية بناء الجدر، فتنوي إقامة جدار جديد يفصل قطاع غزة عنها وجدار آخر في غور الأردن بحجة التهديدات التي قد يمثلها داعش عبر الحدود الأردنية مستقبلاً ...!!
إن العدو الحقيقي للكيان الصهيوني يسكن في داخله وفي سياساته القائمة على نفي الآخر، وعلى الكيان الصهيوني أن يدرك أن مثل هذه السياسات، لن تجلب له الأمن والإستقرار ولا السلام، وأن الذي يجلب له الأمن والإستقرار هو فقط التقدم نحو الحل السياسي للقضية الفلسطينية، على أساس الشرعية الدولية التي تؤدي إلى إنهاء الإحتلال والإستيطان، وتمكن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وبغير ذلك يبقى الأمن والإستقرار والسلام ضرب من ضروب الخيال.
إن تجاهل هذه الحقائق الموضوعية، والذهاب إلى إصطناع أعداء محتملين وبناء نظريته الأمنية والسياسية على أساسها، ما هي إلا ضرب من ضروب الإستغلال السياسي والإبتزاز اللاأخلاقي للمجتمع الدولي يجب أن ينتهي وأن يوضع له حد ...!!