على غرار القمة القطبية؛ التي تمت بين الرئيس الصيني تشي مع الرئيس الأميركي بايدن، فى بداية عهده الرئاسي، والتي عرفت بقمة سان فرانسيسكو القطبية، يتم التحضير فى هذه الأوقات لعقد قمة قطبية أخرى بين دونالد ترامب والرئيس الروسي بوتين، بعد أن توافق الجميع على تبادل الكراسي القطبية من أميركية صينية، إلى أميركية روسية، واتفاق تشي بايدن، على أن يكون الانتقال سلس للمنازل القطبية حتى يكون منسجمًا مع الانتقال السلمي للسلطة التي تجري فى البيت الأبيض.
وهي المعطيات التي يتوقع أن يكون لها انعكاسات كبيرة على مسرح الأحداث، كما على خطوط الاشتباك فى الساحة الأوكرانية، التي ينتظر أن يتم فيها شرعنة أميركية لروسيا "القرم وأقاليم دونباس الأربعة"، مقابل وقف إطلاق النار في أوكرانيا كما ينتظر أن يتم خفض التصعيد في الجزيرة الكورية مقابل بيان حالة في الجزيرة التايوانية.
وأما في الشرق الأوسط؛ فإن الأمر يبدو مغاير، إذ ينتظر أن تتم مسألة الانسحاب الروسي من المنطقة بشكل ضمني، وهذا ما يعني تجميد عسكري للقطاعات الروسية العسكرية والاستخبارية، وهو ما سيعطي المجال لإيران لكي تتقدم الصفوف في مسرح الأحداث، في قضايا المنطقة باعتبارها دولة إقليمية تمتلك أدوات نفوذ فاعلة قد تمكنها من استكمال مواجهتها الميدانية في الشرق الأوسط، لكن بطريقة مباشرة على الساحة السورية، وذلك عن طريق إعادة بناءها لقوات حزب الله، لتكون قوة إقليمية قادرة لشرعنة النفوذ الإيراني، الذي يعمل من أجل فرض نظام وموازين جديدة، وينتظر أن يكون في مواجهة مباشرة مع إسرائيل من دون ضوابط، إذا ما توافقت الدائرة القطبية الروسية الأميركية لتهويد (أسرلة) غزة، كما القدس والضفة التي يبدوا أنها ستكون نقطة الاستهداف القادمة للإدارة الأميركية، التي بدأت تطلق عليها مسمى يهودا والسامرة بدلاً من الضفة المحتلة، وهذا ما ينبيء أن اسقاطات مرحلة جديدة قد بدأت بالاقتراب لغايات توسيع حدود الدولة الإسرائيلية، ضمن شرعية قطبية وإن كانت لا تستند لشرعية قانونية.
وهذا ما يعنى أن هناك أرضية توافق إيجابي تتحدث عن وقف إطلاق النار في أوكرانيا وتخفيض حالة التصعيد فى بحر الصين، لكن هنالك توافق سلبي تبينه مسألة استمرار حالة التصعيد في المنطقة، وإبقاء حالة الصدام حاضرة بين القوى الجيوسياسية المتبارية على الأرض العربية، التركية والإيرانية والإسرائيلية، في ظل حالة الهوان التي أصابت النظام العربي حتى جعلته يقبع في منزلة المشاهد المتلقي.
وإلى حين استلام دونالد ترامب مقاليد الرئاسة، ويتم ترتيب اللقاء القطبي بين بوتين ترامب، فإن المنطقة ستبقى تدور في حالة مخاض غير معرفة ببيان، أو محددة فى نسق منضبط، نتيجة حالة الانتقال الحاصلة للسلطة في الدائرة القطبية كما الرئاسية، وهذا ما يجعل المنطقة تعيش فترة انتظار غير واضحة ليس لكون محدداتها غير ظاهرة، بل لأن عملية نقل السلطة في المربع الرئاسي الأميركي ما زالت تخضع لعوامل تجوية في ظل تحالف معسكر السلاح مع بوتين العضو، وعوامل تعرية عميقة تبينها منطقة مهد الحضارات التي يصعب التنبؤ بردات فعل مجتمعاتها.
فالذي كان يتوقع للإجهاز على الفصائل الفلسطينية في غزة خلال أسبوعين، ما زال يخوض معها معارك على نفس الوتيرة منذ أكثر من 400 يوم، والذي كان يتوقع الإجهاز على حزب الله يمكن أن يتحقق باغتيال قياداته، انتهت قيادته وزادت قوته، والذي يتوقع أن يرفع أهالي القدس والضفة الغربية أيديهم للاستسلام، وأن يخرج الشعب الفلسطيني من أرضه بالإذعان فسيكتشف قريبًا أن للقرايا صوت أقوى بكثير من صوت السرايا، حتى لو كان يجلس فى بيت القرار "أميركا وروسيا"، فالشعب الفلسطيني "شهد كثيرًا من هذه العينات" وأصبحت لديه مناعة متوارثة جينيًا، والأمة العربية حتى ولو وصلت إلى القاع فإن قاع الأمة وقعر حاضنتها سيحمل عنوان اليقظة المقرونة بخبر سار، كونه سيشكل رطمة البداية لعودة الأمة، وهذا ما تقوله بطون الكتب، وهذا ما تقوله شعوب المنطقة، و"الدنيا أطول من أهلها".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها