في الذكرى الخامسة للأزمة السورية ، تأتي التحركات الدولية والإقليمية، ضمن دفع عجلة الحل إلى الأمام بشكل متسارع، في كل أماكن التوتر في الدول العربية ، ومنها سوريا، حيث يرتبط التحرك أيضاً بمحاولات ترسيخ حلولٍ لأزمة المخيمات الفلسطينية هناك، ومنها مخيم اليرموك والسبينة والحسينية.
في ظل هذه الأجواء تحتدم الأسئلة والرؤى حول إمكانية عودة اللاجئين الفلسطينيين لمناطقهم، وكيفية تطبيق آليات إعادة تأهيل المخيمات للسكن فيها، وتأمين كافة مقومات الحياة ، واحتياجات أولئك اللاجئين، الذين ازدادت معاناتهم في الآونة الأخيرة داخل وخارج سوريا، بشكلٍ مضاعفٍ لا يوصـَف، فالإهمال الإغاثي وغيرالمسؤول أصبح جلياً أكثر من أي فترة سبقت ، وإن كانت الخبرات بإدارة الأزمة قد تجاوزت حد التطبيق العملي سواء في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أو المؤسسات المختصة بالإغاثة، لكن الشح في التمويل وبالتالي في المساعدات العائدة للاجئين المهجرين خارج مخيماتهم هي صفرٌ على شمالٍ أ ُنهك من حـِمْلٍ ثقيل.
وعلى أبواب الشتاء الرابع البارد بامتياز، تتجدد معاناة اللاجئين الفلسطينيين داخل وخارج سوريا بعدم تأمين احتياجاتهم الخاصة بهذا الفصل، في ظل استمرار تقليص الأونروا لخدماتها، رغم البدء بتطبيق برنامج المساعدات الشتوية (الخجولة)، وكذلك نقص التمويل لمؤسسات الإغاثة كما أسلفنا.
وتختلف آلية توزيع المساعدات المالية من قبل الأونروا في سوريا عنها في لبنان مثلاً، ففي الأولى يتم تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين كل ثلاثة شهورٍ تقريباً بحكم ارتبا ط التوزيع بالأوضاع الأمنية المتوترة ضمن أجواء الحرب وعدم استقرار الأمن هناك، أما في لبنان فالمساعدة على قلتها وعدم كفايتها هي شهرية عبر الصراف الآلي.
وإن توفر الأغذية في مخيم اليرموك في الفترة الأخيرة وانخفاض أسعار البضائع والطعام بنسبة أكبر مما تـُباع به في دمشق العاصمة، هو ليس من باب عودة الأمور على ما كانت عليه، إنما بسبب التسويات الأخيرة التي أدت بتجار الحرب المنضوين تحت لواء المعارضة المسلحة، أن يتخلصوا من البضائع ولو بسعرٍ بخس، من أجل انتقال تواجدهم إلى شمال سوريا حسب الاتفاق مع الحكومة السورية وبضمانة من روسيا والأمم المتحدة.
أما في مناطق الغوطة الشرقية لدمشق فإن أكثر من 250 عائلة فلسطينية تعاني نقصاً في تأمين احتياجاتها الأساسية هناك ، وعدم قدرتها على التحرك ، بسبب الضغط العسكري الأخير الممارس من قبل الجيش السوري والموالين له على مناطق تواجد المعارضة هناك، مثل دوما وزملكا وحمورية وحزة.
كذلك في منطقة قدسيا في ريف دمشق، يعاني قرابة 30000 فلسطينياً ممن نزحوا من المخيمات ، انعدام الدخل المادي، وبالتالي عدم توفر مقومات الحياة، بسبب انتشار البطالة، بالإضافة إلى بقائهم رهن تداعيات حالة وجود طرفي الصراع داخل المنطقة من المعارضة وخارجها من الجيش النظامي السوري.
يعتقد البعض أن بداية حل أزمة مخيم اليرموك والسبينة والحسينية هو جزء من تكتيك عسكري لحصاد سياسي يصب في مصلحة استتبات أمن المنطقة جنوبي دمشق ، وإلا فلماذا لا يكون حل أزمة المخيمات دفعة ً واحدة مثل مخيم حندرات الذي نزح جميع سكانه من اللاجئين الفلسطينيين حيث لا تزال تحتله المعارضة المسلحة منذ قرابة السنتين ونصف السنة. ومخيم خان الشيح منقطعاً عن المناطق المجاورة له باستثناء طريق واحد وهو وباقي المخيمات مثل جرمانا والعائدين في حمص وحماة والرمل في ضائقة اقتصادية لا مثيل لها منذ بداية الأزمة السورية.
وكذلك تستمر معاناة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين إلى دول الطوق من تشديدات أمنية تحد من حركتهم، مما يزيد من عدم قدرتهم على تأمين لقمة عيشهم، هذا لو توفر المكان بسبب منع الفلسطيني من العمل كلبنان مثلاً ، كذلك عانى اللاجئون من اعتقالات متكررة في مصر، ومنع دخولهم إلى الأردن ووضعهم في مخيمات للجوء على الحدود، تفتقر لأدنى الخدمات الضرورية لهم.
والأخطر هو شعور اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا بأن الدول العربية المضيفة تتعمد تبريد قضيتهم، بالتزامن مع إيقاف التمويل للمؤسسات والجمعيات الإغاثية، وعلى حساب أمنهم المزعوم، ولقد حذرت لجان متابعة شؤون المهجرين من سوريا وعبرت عن خشيتها من ازدياد الضغط غير المحمودة عقباه ، فالتعامل بإنسانية مع هؤلاء يساهم في إرساء الأمن في بلدانهم، لا العبث به، حتى أنه لم يسجل أي اختراق أمني من قبل أي فرد منهم.
وما يخشاه معظم اللاجئين الفلسطينيين حال عودتهم، هو تردي الأوضاع الأمنية مرةً أخرى في مخيم اليرموك والسبينة والحسينية بإقحامها ثانية ًفي أتون الحرب كما جرى منذ البداية، بعد الاتفاق على التسوية، غير المأمون جانبها طالما بقية المناطق في سوريا لا تزال تعاني الحرب، وتضاف خشيتهم من إلحاق أبنائهم بصفوف جيش التحرير الفلسطيني للقتال في الحرب الدائرة هناك والتي يعتبرها الإجماع الفلسطيني خاصةً بالحكومة السورية وشعبها كونهم ضيوفاً فيها، كذلك الخشية مستمرة من قبل الأهالي الذين لم يغادروا المخيم حتى هذه اللحظة، فأسئلتهم مشروعة حول الضمانات لعدم التعرض لأبنائهم وعدم إلحاقهم بجيش التحرير، ويطالبون منظمة التحرير الفلسطينية بتأمين الحماية والضمانات كونها طرفاً في الاتفاق وخلية الأزمة الخاصة بإعادة اللاجئين للمخيم .
وتضاف إلى خشية اللاجئين الفلسطينيين أسئلة حول كيفية توفير الأونروا احتياجاتهم في حال عودتهم وفي ظل سياسة التقشف المعلن عنها في تموز الماضي؛ رغم أن الرغبة عارمة لديهم بالرجوع والعودة إلى المخيمات، فالأمل يضج فيهم .
يبدو أن هناك إرادة دولية بتسوية أوضاع المنطقة ووضع بداية النهايات للهزَّة المرعبة التي اجتاحت الوطن، ولكن على المقاس الإسرائيلي ووفق الشرق الأوسط الجديد الموعود بالشؤم، ومن ضمنها حل قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي من المتوقع أن يأتي بعد إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الـ67 وحتى ذلك الحين تكون التسويات قد أخذت مجراها في إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى مخيمات سوريا بشكل مؤقت لحين عودتهم إلى أراضي الدولة الفلسطينية، حيث يستمر نضال اللاجئين من أجل الحق الفلسطيني الذي لا يموت .
العودة الآمنة إلى مخيمات سوريا .. ! وهـل العـَـودُ أحمدُ ؟
16-01-2016
مشاهدة: 692
هيفاء الاطرش
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها