من الجيد ان تعلن بعض الدول العربية والاسلامية محورها وتحالفها الخاص لمواجهة الارهاب والتصدي له الذي نما وترعرع في بلدانها وبين ظهراني مجتمعاتها ، لدرجة ان بعض الدول والدوائر اشارت اليها كراعية وداعمة وممولة لهذا الارهاب وهذا الادعاء ليس بالضرورة ان يكون واقعيا وصحيحا" ، على اعتبار وهذا حقيقة واقعية ان بعض هذه الدوائر وجهت هذه الاتهامات على خلفية العداء لهذه الدول ، وبغرض الانتقام منها وتوريطها في هذه التهمة التي اضحت بعبع المجتمعات والدول على حد سواء لدرجة ان بعضها اصيب بما يشبه المرض ((الفوبيا)) ، والتي اصبحت مرض ومشكلة العصر .
واذا كان البعض يعتقد ان اعلان التحالف العربي والاسلامي جاء متأخرا وان المجتمع الدولي كان السباق لاقامة مثل هكذا تحالفات ، وابرزها التحالف الدولي التي تقوده الولايات المتحدة الاميركية الذي انطلق لمحاربة الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش لتثبت الوقائع وسير عملياتها اليومية وبالتالي حصرها في القصف الجوي بانها كانت تقويتها وليس تقويضها ، وكأن هذه العمليات القصف الجوي جاءت لترسم حدود جغرافية دولة داعش ، على اجزاء واسعة من اراضي العراق وسوريا ، وهذا الواقع عززه اخطاء طيران التحالف الدولي في اسقاط المعدات العسكرية لمسلحي داعش وهي اخطاء مريبة في اكثر الاحيان ، هذا اذا اضفنا مسرحية صفقة الاسلحة الاميركية المتطورة التي كانت موردة اصلا لصالح الجيش العراقي بتكلفة ٣٠ مليار دولار كان مقدر لها ان تشكل العمود الفقري لتسليح الجيش العراقي لتمكينه من مواجهة داعش في بلاده واذا بهذه الاسلحة تنتقل وبطريقة مسرحية الى ايدي داعش اثر ما بات يعرف بفضيحة الرمادي . وهذه الاسلحة هي التي مازلت تمكن مسلحي الدولة الاسلامية من الصمود في وجه القصف الجوي المنحصرة فيه عمليات التحالف العسكرية .
وقبل حوالي العام تم الاعلان عن تحالف اخر تقوده روسيا الاتحادية ويضم في صفوفه كل من النظام السوري وايران والعراق وقد تم انشاء غرفة عمليات عسكرية متعددة المهام بدءا" من فرض قواعد جديدة للاشتباك والقيام بعمليات عسكرية توج بما اطلق عليه عاصفة السوخوي المدعومة بانماط متعددة من اجيال الصواريخ وانواعها بما فيها الباليستية والعابرة للقارات والمسافات البعيدة وهو ما استلزم اختراق المجال الجوي لبعض الدول المحيطة بمسرح العمليات وتحديدا المجال التركي . وهذا الامر جعل الاتراك طرفا في هذا التحالف رغم ارادتهم ودون موافقتهم المباشرة .
الا ان هذا التحالف الثاني وقع في محظور اتهامه او الشك في اهدافه الحقيقة وهو ما أدى الى طرح العديد من الاسئلة حول عملياته الجوية والارضية والصاروخية وما اذا كانت للقضاء على ارهابيي داعش فقط ام هو في حقيقة امره القضاء على كل المعارضة وبكل اشكالها التي تواجه النظام السوري بما فيها الوطنية كالجيش الحر وغيره من التشكيلات العسكرية المعارضة للنظام وبهذه الحالة يتحول التحالف الرباعي الى حليف للنظام السوري فقط لاغير وليس (لمحاربة الارهاب) وهذا الامر يدعمه قيام طائرات السوخوي بقصف مواقع وتشكيلات هي في الاصل تحارب الارهاب وفي كثير من الاحيان خاضت معارك طاحنة وقاسية جدا ضدها .
وبالعودة الى التحالف الاسلامي الجديد فان انطلاقته والاعلان عنه اثارت حوله الكثير من التساؤلات حول اهدافه وطبيعة عملياته ؟ وهل ستبقى محصورة في القصف الجوي ؟ ام سيكون لديه عمليات اكثر تطورا واكثر تأثيرا على الارهاب على طريق استئصال شأفتها ولمرة نهائية باعتبار ان هذا التحالف هو الاكثر قدرة ومعرفة باعتباره خبيرا في العقائد وانماط التفكير التي يسير عليها مسلحو ارهابيو داعش وغيرهم . وهي على كل حال كان لها الدور السلبي والمسيء بصورة كبيرة لصورة الدين الاسلامي السمحة .
وانطلاقا" من هذا الواقع وهذه الرؤية والاهداف المتوقعة وعلى خلفية ماهو مطلوب من هذا التحالف لعمله على الارض في حال صدقت النوايا والارادات ومن خلال اعتبار هذه الدول في مقدمة المتضررين من هذا الارهاب المنفلت من عقاله دون حسيب او رقيب وبصورة فجة ومؤذية للاسلام والمسلمين المتهمين زورا" بانهما البيئة الحاضنة والتي ترعرع فيها نموا" وتمويلا" وهذا للاسف ما نجحت الدوائر المعادية للاسلام والعرب في ترويجها في عقول وتفكير المجتمعات الغربية سواء الاميركية او الاوروبية وكأنها حقيقة لا جدال فيها وغير قابلة للمناقشة . وفي مقدمة هذه الدوائر تأتي في المقدمة اسرائيل لاستخدامها الارهاب كتبربر ضد الشعب الفلسطيني وحرف الانظار عنها باعتبارها البؤرة الحقيقية للارهاب بكافة انواعه واشكاله .
ومن هنا ومن خلال تتبع المسار لعمل واهداف التحالف الاسلامي في مكافحة الارهاب ، وقبل رؤية الطريقة التي سيتبعها في عملياته وهل ستنحصر جوا" كما فعل من سبقوه من احلاف ؟ او سينتهج طريقا" آخر يكون فاعلا" وناجعا" في معركته الحقيقة ضد الارهاب ، وهذا يستلزم وبالضرورة تحديد ماهية الارهاب ؟ ادواته وافكاره ودوله الراعية الحقيقية ؟ . وهذا الامر يستلزم تجفيف كل مصادره المادية والبشرية ومن اي مكان كان .
وهذا يستلزم اولا تصنيف اشكال الارهاب وتحديدها بدقة بدءا من الارهاب الفصائلي او تلك التي تنتهجها الجماعات والافراد المنضوية تحت لوائها وصولا الى ارهاب الدول والمؤسسات ، وهذا النمط يتربع على قمة هرمه الارهاب الاسرائيلي الممارس ضد الشعب الفلسطيني منذ اللحظة الاولى لقيام هذا الكيان والذي استخدم ومنذ سنوات بعيدة سبقت موضة (( الارهاب )) الجديدة والحديثة وهذا ثابت من خلال عشرات بل المئات من العمليات التي لاتختلف كثيرا عما تمارسه داعش واخواتها في المناطق التي تسيطر وسيطرت عليها بمعونة من يدعي حاليا محاربتها ، فكما يقوم الارهاب الداعشي بقتل وحرق وتدمير مختلف نواحي الحياة الانسانية يقوم الارهاب الصهيوني والاسرائيلي بممارسة نفس الاساليب ويرتكب كما كان منذ انطلاقته الاولى ذات الجرائم البشعة بحق الشعب الفلسطيني أليس قطع رأس في الرقة على ايدي داعش هو نفسه يعادل بقر بطون الحوامل الفلسطينيات في دير ياسين ، وأليس حرق الطفل الدوابشة هو نفسه حرق الرجال لدى داعش ، وأليس تدنيس المقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين هو نفسه او اقسى واكثر اجراما من تهديم معابد وآثار تدمر ومعانيها الانسانية والثقافية وغناها الاثري بل ان ما يقوم به المستوطنون الاسرائيليون وجنود الجيش الاسرائيلي بحق الاقصى والقدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهو المكان الاكثر قداسة لدى المسلمين بعد الحرم الشريف والمسجد النبوي يفوق وبأشواط كبيرة ماتقوم به داعش واخواتها .
وانطلاقاً من هذه النقطة وبداية المطلوب من التحالف الجديد العربي والاسلامي ان يحدد اولاً وقبل كل شيء تعريفه للارهاب تعريفاً دقيقاً وواضحاً بدءاً من ارهاب الدول الذي تمثله بدرجة اساسية واولى (( دولة اسرائيل )) وهي التي تنفرد من خلال اجراءاتها وقوانينها والتي لم يشهد مثيلها التاريخ البشري فهي الدولة الوحيدة في العالم وعلى مر العصور تقتلع شعباً من ارضه ووطنه وتستجلب مكانه شعباً اخر تستحضره من كل اصقاع الارض تحت حجة واهية لم تعد تنطلي على احد ، وفوق ذلك تمنع الشعب الفلسطيني الذي هو صاحب الحق التاريخي والحقيقي في ارضه وقراه ومدنه من العودة اليها ، وسلبه حقوقه الوطنية الثابتة والازلية والتي كفلتها له كل الاعراف والقوانين الدولية والانسانية وكذلك السماوية .
وعليه فان المطالبة المنطقية والاساسية لهذا التحالف الجديد كما لكل التحالفات التي سبقته بان يدرج الارهاب الاسرائيلي في اول سلم اولوياته والواجب مواجهته ومحاربته وبعد ذلك تأتي بقية الاشكال وبؤره وتجمعاته المتناثرة هنا وهناك بما فيها داعش واخواتها باعتبار ان الارهاب الاسرائيلي هو البيئة الحاضنة والاساسية والممول الفكري والنظري والعقائدي الذي تستمد منه هذه التجمعات شرايين حياتها وبعد ذلك يأتي دور تمويلها المالي والعسكري وهذا يتطلب خططاً وبرامج متعددة وفي مقدمتها الحسم العسكري على الارض خصوصاً وان هذا الارهاب استطاع وخلال السنوات الماضية من استغلال ما يعرف بثورات الربيع العربي ان يتمدد بشكل سريع الى مناطق ودول إثر انهيار انظمتها السابقة وسيطرته على مقدراتها وثرواتها وللاسف في بقع جغرافية واسعة وكبيرة سواء في المغرب العربي وخصوصاً في ليبيا الذي تشير المعطيات الى ان داعش اضحت تسيطر على مساحات واسعة وعلى ثروات وامكانيات لايستهان بها وتهدد جدياً وحدة اراضيه وتماسك شعبه وفي المشرق العربي كذلك كما هو حاصل في العراق المهدد هو الاخر بالعديد من المخاطر يبدو ان التقسيم اقلها خطراً واليمن وبطبيعة الحال سوريا على الرغم من الحديث المرتفع عن اتفاقات ومصالحات وحلول تنهي ازمات هذه الدول الذي سيبقى الهدف الاساسي والمهة الرئيسية لاي تحالف سواء أكان دولياً أو اقليمياً اوعربياً - اسلامياً .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها