هناك إجماع فلسطيني على دخول المسيرة الوطنية مرحلة جديدة، بغض النظر عن المواقف المتباينة بين الاتجاهات السياسية مما يجري في الميدان، وأيا كان التشخيص للحالة الراهنة، إن كانت حراكا او هبة شعبية او انتفاضة، فإنه لا يلغي الانعطافة النوعية في المشهد الفلسطيني.

غير ان التباين في المواقف، لا يسقط عن الجميع المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه تنظيم الحالة الفلسطينية، حتى لا تترك الامور على عواهنها، لذا هناك ضرورة لوضع نواظم لآليات العمل الشعبي في الوطن ككل وفي كل محافظة على انفراد، لتتكامل الجهود في رسم آفاق الكفاح الوطني، وتحديد اهدافه الآنية والبعيدة.

ولرص الصفوف تثار اسئلة عديدة، منها، هل صيغة التنسيق بين القوى الوطنية القائمة، مؤهلة لقيادة الحراك الشعبي أم لا؟ أم أن هناك حاجة لتشكيل قيادة وطنية موحدة جديدة؟ وهو ما يعني استنساخ تجربة الانتفاضة الاولى، ناسين او متناسين أصحاب هذا الاتجاه، أن شروط اللحظة الراهنة، مختلفة تماما عن ظروف الانتفاضتين السابقتين. وإذا كان منطق الاستنساخ لا يقبل القسمة على اللحظة الراهنة، فهل هناك ضرورة لإيجاد إطار جديد، قادر على قيادة الحراك الشعبي المتواصل منذ أسبوعين تقريبا؟ أم ان الاطار القائم مؤهل للامساك بزمام الامور، إذا ما تم رفده بكفاءات وطاقات جديدة؟ واين هو دوره في الميادين المختلفة؟ وهل حاول وضع خطة عمل قصيرة او متوسطة المدى للحراك؟ ام أن القائمين عليه اكتفوا بوضع انشطة اسبوعية تتعلق بالمركز (في محافظة رام الله والبيرة) دون المحافظات الاخرى؟ وهل هذه الطريقة قادرة على التناغم والتجاوب مع حجم وشكل الحراك الشعبي المتصاعد؟ وما هي اهداف الحراك الشعبي؟ ماذا نريد آنيا؟ هل نريد وقف الاجراءات الاسرائيلية في القدس الشرقية والغاء قرارات حكومة اليمين المتطرف الجائرة والافراج عن اسرى الحرية؟ هل نريد إرغام حكومة نتنياهو على الانسحاب من المناطق المصنفة (B وC)؟ ام نريد وقف التنسيق الامني او وقف الالتزام باتفاقيات اوسلو من قبل قيادة منظمة التحرير؟ الهدف النهائي معروف وواضح، وهو: كنس الاحتلال الاسرائيلي عن اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران 1967، لكن هل هذا الحراك ايا كان اسمه، سيواصل الكفاح لبلوغ هدف الحرية والاستقلال والعودة أم مهمته الضغط على حكومة إسرائيل للجلوس على طاولة المفاوضات والاعلان المسبق عن الاستعداد للالتزام باستحقاقات التسوية؟ وهل الحكومة الاسرائيلية جاهزة ومستعدة للتسوية؟ وهل صيغة المفاوضات السابقة ودور "الرباعية" الشكلي، قادر على إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان الاستعماري؟ ام مهمة الحراك الشعبي الضغط على الاقطاب الدولية والامم المتحدة لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإصدار قرارات أممية جديدة من مجلس الامن لرفع مكانة فلسطين في الامم المتحدة كدولة عاملة، وإدانة الاستيطان الاستعماري الاسرائيلي في اراضيها, وعقد مؤتمر دولي لحل المسألة الفلسطينية؟.... إلخ

هذه الاسئلة وغيرها تحتاج إلى وقفة شجاعة وبسرعة فائقة وقبل فوات الاوان، لوضع الاجابات عليها، والعمل على تجاوز حالة المراوحة والتعثر والكف عن العمل بالقطاعي. الشعب بحاجة ماسة إلى أطر قيادية مؤهلة، قادرة بما تملكه من مصداقية وشجاعة وكفاءة، على نيل ثقة الشارع الوطني، وتوحيد جهوده في الميدان، ورص صفوف القطاعات الشعبية، وحماية المكتسبات الوطنية، والتقليص للحد الادنى من نزيف الدم الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، المضاعفة من إرباك جيش الموت الاسرائيلي وقطعان المستعمرين، وصيانة العملية التعليمية في مختلف مراحلها، وخلق حالة من التناغم بين المؤسسات الرسمية والقطاعات الشعبية، والاهم وضع رؤية برنامجية للمرحلة الحالية والمقبلة، لتكون بمثابة بوصلة الكفاح الشعبي تحت راية القيادة الشرعية حتى تتكامل اشكال النضال في تحقيق الاهداف الوطنية.